وضع لا يحسد عليه أن يجد أمثال الطبطبائي وهايف أنفسهم يحملون شعارات كالحرية والعقد الاجتماعي، ويحتمون وراء امرأة سافرة شككوا بشرعيتها وإيمانها وأخلاقها بالأمس القريب جداً، لا بل يقرون بقوامتها وأنها صنعت ما عجزت عنه الأخريات ممن التزمن «بالضوابط الشرعية»، وأن يضطروا للاقتباس من الدستور واستخدام مواده لحماية حقوقهم والتعبير عن آرائهم، الأصعب والأمرّ أن يرفع آخرون في وجوههم الدرع الذي طالما تسلحوا فيه ألا وهو «الشرع» والفتوى الدينية فيضطرون للعودة إلى الخبير الدستوري «ليعترضوا على كلام ربنا» الذي شهره زملاؤهم من السلف الصالح ضدهم، ويدافعون بشراسة عن حق التجمع والاجتماع والتعبير عن الرأي!

Ad

وإثر هذا الوضع الحرج هبّ د. طارق الطواري أستاذ الشريعة في جامعة الكويت لنجدتهم، وليؤكد أنه «لا دخل للشريعة في رأي عضو من الأعضاء وهو يقدر ويختار فلا يجوز لأحد أن يلتحف بالشريعة الغراء»، وذلك- حسب رأيه- لأن «حق تقرير التعاون من عدمه إنما هو حق للنائب وحده أن يقرر ذلك ويقدر مدى المصلحة والمفسدة وفق الشريعة التي تعاقد مع ناخبيه على أساسها وهي الدستور»، بل توجه إلى جمهور الإسلام السياسي ناصحاً بأن «لا ينبغي لطلاب العلم الزج بالمصطلحات الشرعية والحلال والحرام ويجوز وما لا يجوز في ظل خصومة ارتضى الأطراف التحاكم فيها إلى القانون والدستور الذي أعطى كل واحد من الخصوم حق اتخاذ قراره ورأيه بعيداً عن استخدام سيف الشريعة»!

أي أن الرأي الأكاديمي «الشرعي» والواقع السياسي «الإسلامي» أوصلا الجماعة إلى حقيقتين مرتين وثقيلتين على قلوبهم، وهما ألا حياة كريمة دون حرية أولاً، وأنه لا حل منطقياً وعادلاً لأطراف الصراع سوى بالابتعاد عن «المقدس» والاحتكام إلى القوانين والدساتير «الوضعية» التي هي أساس العقد الاجتماعي، ثانياً.

فالتحاكم للقانون والدستور لا للشرع كما دعا الدكتور الطواري هو صلب العلمانية (secularity) التي تأتي من أصل لاتيني وهو (saecularis) ما يعني حرفياً (من هذا الزمن) أو من هذا العالم مقابل الروحانيات غير المرتبطة بزمن (الدين والشرع). ودفاع النواب الأفاضل عن الحريات الشخصية والعامة وحقوق الإنسان هو بالضبط ما تعنى به الليبرالية التي تأتي من الأصل (liberty) أي الحرية، ونأسف أن يتطلب الأمر هراوات القوات الخاصة ليعوا هذا الدرس.

فالليبرالية والعلمانية اللتان جعلتا الجماعات الدينية منهما كلمات قبيحة هما بالأخير ملاذهم وحماية لهم كما أفراد المجتمع وأطيافه كافة من سلاح الدين ذي الحدين، ومن دكتاتورية الأغلبية وظلم السلطة... نأمل أن يعوا الدرس فعلاً وأن يفهموا أن الحريات التي يطالبون بها كل لا يتجزأ، وأن الدستور يحمي حقوقنا كما حقوقهم.