ما قل ودل: وتظل أحكام الدستور مصونة

نشر في 27-12-2010
آخر تحديث 27-12-2010 | 00:00
 المستشار شفيق إمام بيّنا في مقالنا أمس ما وقع من خلط بين الحصانة البرلمانية والحصانة القضائية أو الإجرائية، وأن رفع الحصانة الأخيرة عن د. فيصل المسلم، لا يرفع عنه حصانته البرلمانية، عند مثوله أمام العدالة.

ومن هذا المنظور الدستوري والقانوني نقول إن الحقوق الدستورية لا تتمايز فيما بينها فهي جميعاً في مرتبة سواء، فلا يعطل حق دستوري حقاً آخر، ولا يسقط نص دستوري نصاً آخر، ولا يعلو حق دستوري على سواه.

وقد استقرت المحكمة الدستورية على أن الحق في الرقابة البرلمانية، سؤالاً كان أم تحقيقاً برلمانياً أم استجواباً، ليس حقاً مطلقاً، بل تحده حقوق ونصوص دستورية أخرى (تراجع قرارات التفسير التي أصدرتها المحكمة الدستورية في طلبات التفسير أرقام (2) لسنة 1982 و(1) و(2) لسنة 86 و(9) لسنة 2004)

ومن هنا فإنه لا يجوز في تطبيق أحكام المادة (110) من الدستور تجاوز مبادئ وحقوق دستورية أخرى نتناولها فيما يلي:

مبدأ الفصل بين السلطات

كما هو معلوم فإن نظام الحكم في الكويت يقوم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات مع تعاونها إعمالاً للمادة (50) من الدستور التي تحظر على كل سلطة من السلطات الثلاث، النزول عن اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور، وإذا كان الدستور قد اختص نواب الأمة بحصانة برلمانية، تعتبر مانعاً من مساءلتهم جزائياً، فيما يبدونه من آراء وأفكار داخل المجلس أو لجانه، فإن المساءلة الجزائية، هي أمر تختص به السلطة القضائية وحدها، التي تتولاها المحاكم باسم الأمير، وفقاً لأحكام المادة (53) من الدستور.

لذلك فإن وزير العدل لم يكن يملك أي تقدير في إحالة طلب النيابة العامة إلى مجلس الأمة، فهو لا يستطيع أن يحجبه عن المجلس أو يسحبه بعد تقديمه، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات ولما ينطوي عليه ذلك من تدخل في سير العدالة، صوناً لاستقلال القضاء.

صون استقلال القضاء

وقد كفل الدستور للسلطة القضائية استقلالها في ما نصت عليه المادة (163) من أنه لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، وهو استقلال في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية يعصمها من التدخل في أعمالها أو التأثير في مجرياتها، باعتبار أن شؤون العدالة هو ما تختص به السلطة القضائية وحدها. والواقع أن كل من تداول رفع الحصانة عن النائب من منظوره السياسي، يجمع على تجرد القضاء ونزاهته، وأن القضاء هو الميزان الذي يحقق العدل، ويعطي كل ذي حق حقه، وسوف يرسي الشرعية ويصون الدستور، دون افتئات على حق دستوري للنائب في الحصانة البرلمانية.

كفالة حق التقاضي

وقد كفل الدستور في المادة (166) لكل فرد حق التقاضي، وترك الدستور للقانون الذي تضعه السلطة التشريعية بيان الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق.

وجاء قانون الجزاء ليلزم كل شخص شهد ارتكاب جريمة أو علم بوقوعها، أن يبلغ بذلك فوراً أقرب جهة من جهات الشرطة أو التحقيق، بل يعاقب القانون كل من امتنع عن التبليغ ممالأة للمتهمين بعقوبة الامتناع عن الشهادة.

ومن ثم فليس هناك تثريب على البنك، الذي وقع إفشاء السر المصرفي لأحد عملائه أن يقدم بلاغاً إلى النيابة العامة عن هذا الانتهاك لسره المصرفي، حفاظاً على سمعته الائتمانية، وعلى أسرار عملائه.

وقد كان قيام النائب بإفشاء السر المصرفي الخاص بأحد عملاء البنك، فعلاً مشهوداً في الساحة البرلمانية ذاتها، وأمام أعضاء مجلس الأمة كافة، ومن ثم تنتفي عن هذا البلاغ، صفة الكيدية، وهي الصفة التي لا تقوم إلا إذا كان البلاغ في ذاته بلاغاً كيدياً، وأن الجريمة التي تناولها، ليس لها وجود أصلاً، فالمعيار هنا معيار موضوعي وليس معياراً شخصياً يفتش عن الباعث أو النوايا.

للنيابة العامة حقٌ دستوري

لذلك لم يكن هناك انتهاك للدستور في الطلب الذي تقدمت به النيابة العامة لرفع الحصانة القضائية عن العضو فهي الأمينة على الدعوى العمومية، وهي تستخدم حقاً دستورياً كفلته لها المادة (167) من الدستور.

ولا يحول بين النيابة العامة والتحقيق في أي بلاغ يقدم لها- وفي أي واقعة إجرامية تتكشف لها من هذا البلاغ- أن يقوم بأحد المتهمين في الجريمة، مانع من مؤاخذته جزائياً، لأنه من الضروري والمفيد تحقيقاً للعدالة أن تتجمع أمام النيابة العامة، كل خيوط القضية، والتي تشمل فيما تشمله أقوال النائب، صاحب الحصانة البرلمانية.

والقرار في هذه الحالة للقضاء وحده، والذي يكون عقيدته في قيام المانع من المسؤولية الجزائية للنائب من الأدلة والقرائن وغير ذلك من ظروف وملابسات، وأن النائب قد التزم حدود حقه الدستوري في الرقابة البرلمانية.

فالضرورات تبيح المحظورات، وليس هناك ضرورة أكثر من حماية حرمة المال العام، ولو كان قد سقط الاستجواب الذي استخدم فيه هذا الشيك، بعدم حصوله على الأغلبية اللازمة لطرح عدم إمكان التعاون مع سمو رئيس مجلس الوزراء، فللعضو في هذه الحالة أجرٌ واحدٌ إن أخطأ وأجران إن أصاب.

وللحديث بقية غداً إن شاء الله.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top