عرفنا، نحن الذين اشتعلت رؤوسنا بالشيب، البحرين بطيبة أهلها وسماحتهم وتسامحهم ورقيّهم الاجتماعي والسياسي، من خلال الطلبة البحرانيين الذين زاملناهم في جامعات مصر والعراق وسورية ولبنان وحتى في جامعات أوروبا الشرقية، وهنا بالإمكان ذكر أسماء كثيرة من عائلات معروفة ووقْتها ما كنا نعرف مَنْ مِنْ هؤلاء ينتمي إلى الطائفة السنية والطائفة الشيعية، ولم يكن هذا يهمنا ولا يهمهم فالأساس هو التوجه السياسي والميول الحزبية.
بصورة عامة كانت اهتمامات طلبة البحرين تتوزع على محاور، وهي المحاور الرئيسية في عقد ستينيات القرن الماضي أي حزب البعث العربي الاشتراكي والحركة الناصرية ممثلة قوميّاً في حركة القوميين العرب والاتجاه اليساري الذي كان يعتبر نفسه ماركسّياً – لينينياً مع أنه ربما لم يكن بصورة عامة يلتزم بأي تنظيم شيوعي.كان الانطباع عن البحرين الذي نقله طلبتها إلى زملائهم العرب وغير العرب هو أن هذه الجزيرة الصغيرة تستند إلى إرث حضاري عظيم هو حضارة "دلمون" التاريخية وإلى حركة فكرية لعبت دوراً رئيسيّاً في التاريخ الإسلامي في مرحلة محددة، وكل هذا بعيداً عن آفة "التمذهب" التي وللأسف باتت تنتشر في المنطقة كلها كمرض الجُذام بعد انتصار الثورة الإيرانية، التي كان متوقعاً أنها ستكون جامعة غير مفرقة وأنها ستكون للمسلمين كلهم وليس لطائفة معينة.عندما بدأ الحديث عن وضع دستورٍ لـ"الجمهورية الإسلامية" كان هناك رأيان رأيٌ يقول بضرورة أن ينصَّ "القانون الأساسي" على أن دين الدولة هو الإسلام بعيداً عن الإشارة إلى أي طائفة أو مذهب وأي تمسك بالنص على أن دين الدولة هو الإسلام أو "على المذهب الجعفري الإثني عشري" والمؤسف حقاً أن الغلبة كانت لأصحاب وجهة النظر الأخيرة التي كان يمثلها الإمام الخميني رحمه الله الرحمة الواسعة.لم تكن البحرين تعاني هذا الصداع النصفي الذي ألقى بظلاله على الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة، وكان أهل هذا البلد الذي هو، سابقاً ولاحقاً، عبارة عن جوهرة في عنق الخليج العربي يتقاربون ويتباعدون ليس مذهبياً وطائفياً وإنما على أسس سياسية، وهذه حقيقة كانت تتجسد في العراق وفي لبنان وفي الكويت إلى أن ابتليت هذه الدول وهذه المنطقة بالانعكاسات السلبية للثورة الإيرانية التي استقبلناها على أساس أنها للمسلمين كلهم وأنها ستملأ المنطقة عدلاً بعد أن امتلأت جوراً!
أخر كلام
هكذا عرفنا البحرين!
25-10-2010