ظل الافعى

نشر في 08-03-2011
آخر تحديث 08-03-2011 | 12:00
 د. نجمة إدريس ار وسهام النقد الجارح! وكأن استقراء التاريخ القريب والبعيد والنظر في سجل الثقافات الحاضرة والغابرة من صنع خيالها أو بنات أفكارها! إلى أن جاء «رجل» ليؤكد ويحلل ويبوح بأسرار الضيم والاستلاب وجذورها ومنابعها.

في الرواية حضور كثيف لكينونة المرأة الأصيلة، المرأة الإلاهة أو الربة مانحة الحياة والمتحكمة في مساراتها في الحضارات القديمة. وهي كينونة يراها الروائي باقية وسارية حتى اللحظة، وإن همشتها السطوة الذكورية المتفانية في القمع والزجر والتظاهر بالقوة. فالزوج (عبده) رجل باهت قميء متواضع الفهم والموهبة، يلوذ بظل زوجة تفوقه ذكاء ومهابة وقدرة ناهيك عما جبلت عليه من روعة الجسد وغموض الروح والطموحات العالية. وهي إذ تخوض معه معركة نقص التكافؤ وسوء التقدير ورغبته المريضة في الاستحواذ والتملك، فإنها تستلهم في صراعها هذا روح (الأم) -أمها هي أو أم النساء الأولى- وأصالة منبعها ومحتدها. ومن خلال تواصلها مع هذه الأم الكبرى تبدأ باستعادة كينونتها، وتعلّم دروس العناد والتحدي وفرض الإرادة، علها تستعيد عرشها القديم وظلها المديد.

أما «الأفعى» التى جاءت لتشير إلى المرأة أو الأنثى، فما أراد بها الروائي إلا إضافة المزيد من التبجيل والثناء. فالأفعى في حقيقتها وبعيداً عن التصورات الموهومة التي فبركتها اليهودية للنيل من المرأة وتدنيسها بالإثم، ليست سوى كائنة بديعة غامضة مليئة بالأسرار والألوان والروعة. وهي، رغم أن تسعين في المئة منها غير سام، لا تؤذي إلا من يتعرض لها بالأذى، دفاعاً عن نفسها أو ذريتها . أما ما سوى ذلك فهي كائن مسالم تنسرب مبتعدة عن أعدائها برشاقة ناعمة. وقد كانت الأفعى قبل أن تتشوه صورتها بالأذهان رمزا للربات وشعارا للملكات العظيمات من إنانا وعشتار وإيزيس إلى سمير أميس ونفرتيتي وكليوباترا. ويبدو أن المؤلف أراد أن يستحضر هذه الصورة المهيبة لرمز المرأة/ الأفعى التي إمعاناً في تبجيلها وتكريمها يرى أن (الظل) الحقيقي لا يكون إلا لها. هذا بعد أن طال استحواذ الرجل على (الظل) والسطوة، وتشرذمت المرأة في ظله أو (ظل الحائط)!

من غرائب المصادفات أنني أثناء قراءة رواية «ظل الأفعى»، شاهدت في إحدى القنوات الوثائقية ما يؤكد استمرار حاكمية المرأة وقوامتها المطلقة على مجتمع الرجال حتى الآن. وهذا التقليد الأصيل ما يزال سارياً ومحافظاً على استمراريته لدى شعب (الموسو) في الصين، الذي يتشكل من مجتمع أمومي يقدس المرأة ويراها ربة مبجلة ومالكة مطلقة للبيت والأرض والذراري. أما الرجل فهو طارئ وعابر، وعادة ما تختار المرأة من الرجال من تشاء للنسل، وعليه أن يغادر البيت قبل بزوغ الشمس وإلا حلت عليه اللعنة! ولم يفلح النظام في الصين رغم شراسته وملاحقته لشعب (الموسو) في إبطال هذا الإرث الأصيل.

تقول إيزيس في ترنيمة لها:

يوم أفني كلَّ ما خلقتُ / ستعود الأرض محيطاً بلا نهاية / مثلما كانت في البدء

وحدي، أنا، سأبقى/ وأصيرُ كما كنتُ قبلاً/ أفعى خفية عصيّة على الأَفهام.

back to top