بسمات على أرصفة القمع
![جهاد الملاح](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1491143557552737800/1491143557000/1280x960.jpg)
في بحر الظلم والهموم، لا تظهر عند العرب قطرات غضب صرف، وتركد الدماء في شرايينها على مساحة العمر، وحتى في حضيض الحياة. وإن شاءت الأقدار أن يتداعى قوم للاحتجاج، تكثر البسمات على جوانب التظاهرات ويتدافع «الغاضبون» بمرح أمام العدسات، حتى أصبح المشهد «ماركة مسجلة» للعرب في الألفية الثالثة.إن تحليل حياة المواطن العربي يشير إلى حقيقة مخيفة: الحياة تكدس للأيام والتطلعات آنية، وإن جدّ الفرد لمستقبله ومستقبل أولاده، لا يلقى نظاماً يجدّ لصنع دولة له وللأجيال المقبلة، قائمة على الحرية والأمن الاجتماعي والتنمية المستدامة، ولا شك أنه نادراً ما تفجرت ثورة من براكين الحرمان، فهي براكين هامدة تمنع الثورات. وبين الفقر والجمود علاقة سببية تخطها الحاجة، وتثبتها لقمة العيش، لكن العجب أن هذا المواطن يزعم أنه من منطقة متأصلة في التدين، وهو يعتبر نفسه «لا يخاف إلا الله الواحد الأحد»، إلا أنه في الحقيقة يرتجف أمام الحكام وسلطاتهم، مع أن منطق التدين الحقيقي يفتح قناة مباشرة نحو الحرية، لأنه ينبذ الاستعباد، ويحرّم التسليم للحاكم إلا بما يقتضيه العقد الاجتماعي الشفاف والعادل والسويّ. في تونس، منذ غابت البسمات تماماً عن شفاه أي متظاهر وواجه «بو العزيزي» النار بالنار، بدا أن الغضب أكمل نصابه ومسبباته، فأعلن شعب تونس العربي الطلاق مع شعوب تخاف الحكام ولا تخاف القهر والجوع، وتجرؤ على الوجع وترتجف من نظرات السلطة.لكن في خضم «ياسمين» تونس، لابد من الإشارة إلى أن مفهوم الثورة الأكثر صواباً هو الحركة الإصلاحية الشاملة التي ترافق أو تعقب انقلاباً على الحكم، وتقودها رؤية استراتيجية واضحة. فحبذا لو تخرج تونس التي أرادت الحياة، من انقلابها، إلى ثورة تغيير مدنية لا يشوِّشها العسكر ولا تذبحها المغالاة الدينية، لعلها تلعن «من لا يماشي الزمان ويقنع بعيش الحجر»، وتعلم العرب الذين يدعون «احترام حقوق الإنسان»، الاعتراف أولاً بوجود مخلوق يدعى «إنسان».كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة