● كيف حال الأقصى في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها من جانب الصهاينة؟

Ad

- أحذر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من أن الأقصى يتعرض في الوقت الحالي لمؤامرة صهيونية تختلف عن سابقتها، لأنهم في هذه المرة يصورون الأمر على أنه مواجهة بين المصلين المسلمين والمصلين اليهود، وفي ضوء هذا يكون للشرطة الصهيونية الحق في الوجود ومنع كل المسلمين وكذلك اليهود من الوصول إلى ساحة الأقصى، ليصبح الأقصي ساحة فارغة ومفتوحة أمام الحفريات التي تتم أسفله، ولكن الحمد لله فإن المرابطين حول الأقصى نجحوا في إفشال المخطط الصهيوني بل نجحوا أيضاً في إجبار اليهود على إغلاق حائط البراق الذي يحتلونه ويسمونه حائط المبكى أمام زواره من الصهاينة، مثلما منعت السلطات الإسرائيلية المصلين المسلمين من الصلاة داخل الأقصى.

ويهمني في هذا المقام أن ألفت النظر إلى أن الحفريات الصهيونية تهدد أساسات المسجد بالانهيار، وقد سبق بالفعل أن حدث انهيار في الطريق المؤدي إلى باب المغاربة بسبب تلك الحفريات، كما أن وقوع أي زلزال سوف يؤدي إلى انهيار المسجد الأقصى بفعل تلك الحفريات التي تهدد أساساته والتي امتدت لتشمل العقارات الوقفية الأثرية الملاصقة لسور المسجد الأقصى، كما أن الصهاينة يريدون بناء كنيس يهودي جديد بالقرب من المسجد الأقصى بتمويل أحد اليهود الأميركان، بدعوى أنهم كان لهم كنيس بجوار المسجد الأقصى، وهم بذلك يزيفون التاريخ لأنهم لم يكن لهم أي كنيس في القدس.

● هل مازالت هذه الحفريات مستمرة تحت الأقصى؟

- مازالت مستمرة وأحذر من خطورة الحفريات الإسرائيلية المتواصلة أسفل المسجد، التي تهدف كما يعلن الاحتلال إلى البحث عن آثار هيكل سليمان، ورغم أنهم لم يجدوا شيئاً حتى الآن يشير إلى الهيكل المزعوم لكن الحقيقة ان الهدف الاستراتيجي البعيد المدى من وراء هذه الحفريات هو هدم المسجد الأقصى، وقد لا يعلم الكثيرون أنه في الوقت الذي يعتبر فيه المسلمون سليمان عليه السلام نبياً فإن اليهود فقط يعتبرونه ملكاً، وبالتالي هذا الهيكل لا يعد مقدساً لأنه منسوب إلى ملك حسب زعمهم، وأنا أحذر من أن هذه الحفريات تسببت في كشف أساسات المسجد وأي هزة أرضية يمكن أن تحدث مستقبلاً ستعرض المسجد للدمار، فالتشققات ظهرت في الجدار الخارجي للأقصى من الجهتين الجنوبية والشرقية نتيجة لهذه الحفريات.

ويكفي أن نشير إلى أن هناك اجتماعات سرية تتم حالياً بين قادة المجموعات اليهودية المتطرفة وحاخامات المستوطنين وبعض المسؤولين السياسيين والعسكريين في حكومة نتنياهو، تحضيراً لاقتحام المسجد الأقصى المبارك بأعداد كبيرة وغير مسبوقة، والبقاء في ساحاته خلال الفترة القادمة لفرض سياسة الأمر الواقع، تمهيداً لتقسيمه على غرار ما حدث للحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، ويمهد اليهود لذلك بتدعيم محاصرتهم للأقصى مثل إحاطته بأكثر من 100 كنيس يهودي و7 حدائق توراتية تحت مسمى حدائق وبساتين ومتنزهات عامة، إضافة إلى الاستيلاء على عشرات العقارات في البلدة القديمة بالقدس الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك وتحويلها إلى بؤر استيطانية، ومواصلة الحفريات أسفله والاقتحامات اليومية لساحاته.

● وماذا عن القدس الشريف؟

- حال القدس أيضاً لا يسر أحداً وهو يسير من سيئ إلى أسوأ. إجراءات التهويد الإسرائيلية المتبعة في المدينة المقدسة لا هوادة فيها من جانب الاحتلال وأكثر من مئة ألف مقدسي، من أصل 280 ألفاً عدد المقدسيين العرب مسلمين ومسيحيين، أصبحوا الآن خارج الجدار العازل الذي يلف مدينة القدس بطول 72 كلم، وهم الآن تحت تهديد سحب هوياتهم، والأحياء التي عزلها الجدار هي رأس خميس، السلام، مخيم شعفاظ، زعيم، ضاحية البريد، كفر عقب، سميراميس، الشرايط، وقلنديا، ليس هذا فحسب، بل إن الاحتلال الصهيوني حرص على أن تكون هناك أكثر من 10 مستعمرات تحيط بمدينة القدس من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية تمتد وتتوسع لترتبط مباشرة مع مدينة القدس بحيث تضم إلى القدس أعداد اليهود الذين يسكنون تلك المستعمرات، بهدف زيادة نسبتهم على حساب السكان الأصليين والشرعيين لتتقلص نسبة الفلسطينيين في القدس عام 2020 إلى 15 في المئة، علماً بأن نسبتهم الآن نحو 35 في المئة.

●كيف ترى رد الفعل الإسلامي لنداءاتكم بدعم المقدسيين والأقصى؟

- للأسف الشعوب تدعم القضية في حين أن الأنظمة لديها أجندات سياسية قد لا تفيد كثيراً حال القدس، لذا نطمح أن تقوم الأنظمة الحاكمة بدعم توجهات شعوبها في التظاهر والتنديد والمقاطعة لكل ما له علاقة بالكيان الصهيوني، لأن المقاطعة أثبتت نجاحاً منقطع النظير ولو تم تفعيلها اليوم لوجد الكيان الصهيوني نفسه يعاني العزلة الدولية ووقتها سيضطر إلى الاستجابة لأي دعوة توجه إليه كي يصل إلى تسوية مرضية للمسلمين تحافظ على مقدساتهم وتعيد إليهم أراضيهم المنهوبة.

للأسف أيضاً كل ما يقدم من دعم للقضية المقدسية حتى هذه اللحظة هو دعم نظري يعني دعماً عاطفياً ليس إلا، والدعم الحقيقي هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

● ينادي بعض المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بشد الرحال إلى الأقصى لدعم المقدسيين المرابطين فهل تؤيد مثل هذه الدعوات؟

- لا نستطيع منع أي مسلم من شد الرحال للمسجد الأقصى لاسيما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا»، لكن في الوقت ذاته فإن قدوم المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها إلى المسجد الأقصى وهو تحت نير الاحتلال يعني إعطاء شرعية للاحتلال الصهيوني خصوصاً أنه سيتم بتأشيرة إسرائيلية.

● لو تحدثنا بلغة الأرقام عن احتياجات الأقصى من المسلمين من أجل المحافظة عليه ما تقول؟

- في تقديري الشخصي تحتاج القدس إلى نصف مليار دولار سنوياً من أجل ترسيخ عروبة وإسلامية القدس من خلال ترميم كل ما هو إسلامي هناك ودعم السكان المقدسيين، حتى يظلوا متمسكين بالأرض مهما كانت حجم الضغوط الصهيونية عليهم... يجب أن نفعل ذلك وإلا فستضيع القدس إلى الأبد.

● ما الواجب على الأمة اليوم حتى تستطيع استعادة مجدها وعزتها؟

- أهم الأمور التي من الواجب على الأمة الإسلامية الاهتمام بها حالياً هو إقامة تكامل اقتصادي إسلامي قوي، لمواجهة مخاطر التكتلات الاقتصادية العالمية، لأن العالم يشهد متغيرات اقتصادية متعاظمة من شأنها الإضرار باقتصادات العالم الإسلامي إذا ظلت ضعيفة مفككة، ومن هنا تبرز أهمية بناء اقتصاد الأمة لتوفير احتياجاتها الأساسية من الغذاء والدواء، وعدم الاحتياج إلى خصومها وأعدائها في شيء من ذلك.

وفي رأيي الشخصي فإن أولى السبل لتقوية الاقتصاد الإسلامي هو أن تهتم الحكومات بدعم البنوك الإسلامية التي تعمل وفق أحكام الإسلام لا البنوك، التي ترفع لافتات إسلامية والإسلام منها بريء، ودعم البنوك الإسلامية سيعني بالتالي الاهتمام بتطبيق الشريعة في شتى نواحي الحياة السياسية والاجتماعية، وهو ما سيخلصنا من كثير من المشكلات الخطيرة التي تعانيها مجتمعاتنا.

● ما رأي فضيلتكم في دعوات تدويل مدينة القدس كوسيلة لحل المشكلة العربية الصهيونية حولها؟

- فكرة التدويل تجعل صراع الشعب الفلسطيني ليس مع إسرائيل فقط بل مع كل دول العالم، ما يعني فرض سياسة الأمر الواقع واستحالة تحرير القدس وعودتها إلى أصحابها العرب والمسلمين، ففكرة تدويل القدس ليست وليدة اليوم بل طرحت لأول مرة عام 1947 ضمن مشروع قرار تقسيم فلسطين ثم تكررت الفكرة مرات عدة، إلا أن الشعب الفلسطيني كان على وعي بما يحاك له وضده ورفض فكرة التدويل في كل مرة طرحت فيها الفكرة.

والتدويل أخطر من التهويد الذي يتم فيه تحديد العدو ووسائل مواجهته، أما في التدويل فإن هذا يفرق دم القدس وأهلها بين كل دول العالم وبخاصة الدول الكبرى المنحازة أصلاً لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي عادت لطرح الفكرة من خلال خطاب الرئيس أوباما الذي وجهه إلى العالم الإسلامي من القاهرة وأكد فيه أن القدس يجب أن تكون لأهل الأديان الثلاثة ما يعني تدويلها.

● كيف ترى دور الوقف في العالم الإسلامي المعاصر؟

- أود أن أؤكد أولاً أن فلسطين كلها من نهرها إلى بحرها ومن شمالها إلى جنوبها وقف إسلامي في رقبة المسلمين جميعاً إلى يوم الدين، وليس أهل فلسطين فقط، وعلى الأمة أن تحافظ على هذا الوقف الذي عاث فيه الكيان الصهيوني فساداً من دون أن يحاسبه أحد، بعد أن أدرك أن المسلمين قد أصبحوا لا حول ولا قوة لهم.

والوقف حقيقة من المؤسسات المجتمعية، التي تحتاج إلى تفعيل إذ كان لهذا القطاع بأدواره وأنشطته المتعددة في التاريخ العربي والإسلامي، الدور الكبير في تعميق دور الأمة وتطوير الجوانب الاستراتيجية في حياة المجتمع العربي والإسلامي.

وكانت هذه المؤسسات الممول الأساسي للكثير من المناشط الأهلية، التي تتجه إما لبناء الأمة من الداخل، ثقافة، اقتصاداً، اجتماعاً، أو تشترك في توفير متطلبات الدفاع عن الأمة والوطن من الأعداء والتحديات الخارجية، فالوقف عبارة عن مشروع إسلامي أصيل، يتجه إلى تنمية الإنسان في مختلف المجالات، ويطور من إمكاناته وقدراته، ويسعى إلى سد كل الثغرات التي تحول دون تقدم المجتمع والوطن، فالمؤسسات التعليمية الوقفية تباشر دوراً ووظيفة كبرى في هذا المجال، حيث العناية بالتعليم وتعميم المعرفة ورفع المستوى العلمي للمجتمع واستيعاب المزيد من الكفاءات العلمية. كما أن المؤسسات الخيرية والاقتصادية الوقفية تقوم بدور تنمية الوضع الاقتصادي، وزيادة فعالية الإنتاج، وتحقيق مفهوم الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي. وكذلك على مستوى التنمية الاجتماعية، حيث تمارس الأوقاف الإسلامية دور احتضان الحلقات الضعيفة في المجتمع (الفقراء-الأيتام-أصحاب الحاجة-الأرامل) وما أشبه، وتسعى نحو تطوير الوضع الاجتماعي بحيث يكون منسجماً وقيم الإسلام الاجتماعية، لهذا فالواجب على الأمة الإسلامية اليوم العمل على عودة الوقف للعب دوره في تنمية المجتمع والأمة، وزيادة فعاليتهما، وتحقيق مفهوم التطور الحضاري.