... والعاملون ليلاً!
المطلوب... تشريع قانون ينصف العاملين بنظام المناوبات الليلية المرهق أو يخفف عنهم، فلا يعمل أحدهم ليلاً بشكل متواصل أكثر من خمسة أو عشرة أعوام على أقصى تقدير، وأن يحوَّل بعدها إلى العمل صباحاً، وأن يصرف له بدل نوبة مجزٍ بغض النظر عن عدد الساعات الأسبوعية التي يعمل فيها والتي يشترط ديوان الخدمة عدداً معيناً منها.
دراسة حديثة قام بها فريق من الباحثين في جامعة ميلانو تقول: إن من يعمل ليلاً وينام نهاراً معرضٌ للإصابة بأمراض القلب أكثر من غيره، والسبب، أن قلبه لا يستجيب للعمل الجاد في منتصف الليل كاستجابته أثناء النهار، وأن جسمه قد صمم كي يتباطأ في الليل وينشط في النهار، فالعمل في النهار هو الأساس، وأي شيء آخر يضر بصحته ويجهده وينهكه... ويقرِّب آخرته!يقول كبير الباحثين في الفريق الدكتور رافائيلو فورلان: "إن مقاومة الجسم للتغيرات التي تفرضها طبيعة العمل المناوب، تجعل من الصعب على الإنسان التكيف للعمل المناوب ليلاً، ولهذا، فإن الأشخاص الذين يعملون عملاً مناوباً، في الليل ثم النهار، لا يستطيعون التكيف لنسق معين من العمل لأنهم لا يستقرون على نمط واحد، بل يناوبون بين العمل في الليل والعمل في النهار، وهذا يفسر إصابتهم ببعض التوعكات الصحية بشكل دائم تقريباً"!
وفي دراسة أخرى قام بها قسم علوم الأحياء في جامعة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية جاء ما يلي "باختصار": "تعتبر ضغوط العمل النفسية لدى موظفي المناوبات الليلية من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً، إذ أشارت إحصاءات مؤسسة أمراض القلب البريطانية إلى أن ثلث القوى العاملة من الرجال والنساء تتأثر بضغوط العمل وتكون على ارتباط وثيق بنشوء أمراض القلب والشرايين، وأن موظفي النوبات هم الأكثر عرضة لحدوث المشاكل الاجتماعية التي تؤدي إلى الضغط النفسي, والتغير في السلوك مثل اللجوء إلى التدخين، وتناول الأغذية غير الصحية، وأن العمل الليلي يتطلب من الجسم القيام بمجهود جسماني في وقت يكون الجسم بحاجة إلى الراحة، كما أوضحت دراسة أخرى أن هناك علاقة ما بين أمراض شرايين القلب والعمل الليلي إذ أظهرت النتائج أن هناك ارتفاعاً في نسبة دهون الدم الثلاثية وانخفاضاً في نسبة الكولسترول عالي الكثافة HDL عند موظفي المناوبات الليلية، ولم يلاحظ هذا الارتفاع عند موظفي المناوبات الصباحية"!إذن فالعمل في نظام النوبات متعب، مرهق، ضار للجسد والنفس، وسبب مباشر للأمراض الخطيرة والنهاية السريعة، هذا هو كلام الأطباء والباحثين المتخصصين، إذن، فالعاملون في هذا النظام يستحقون التقدير والشكر والاحترام، لأنهم يقومون على راحة الجميع وفي خدمتهم في الأماكن الحيوية التي لا يتوقف فيها العمل طوال الوقت طوال العام، ويدفعون ضريبة ذلك من صحتهم وعافيتهم دون أن ينالوا حقوقهم في كثير من الأحيان، فمعظمهم لا يحصل على بدل أو مكافأة نظير العمل ليلاً، ولا يتم إعفاؤه من نظام النوبات طوال مدة عمله، ولا يعوَّض مادياً في حالة إصابته في مرض خطير جراء السهر المتواصل طوال ثلاثين عاماً، هي مدة خدمته في العمل لحين التقاعد... هذا إن صمد حتى ذلك الحين!والمطلوب... تشريع قانون ينصف العاملين بهذا النظام المرهق أو يخفف عنهم، فلا يعمل أحدهم ليلاً بشكل متواصل أكثر من خمسة أو عشرة أعوام على أقصى تقدير، وأن يحوَّل بعدها إلى العمل صباحاً، وأن يصرف له بدل نوبة مجزٍ بغض النظر عن عدد الساعات الأسبوعية التي يعمل فيها والتي يشترط ديوان الخدمة عدداً معيناً منها، فالعبرة في السهر وعدم انتظام النوم التي تتسبب فيه ساعات قليلة من العمل ليلا، فإذا لم يتم شيء من ذلك، فعلى الأقل أن يعطوا تقاعداً مبكراً بعد عشرين عاماً من العمل فقط، لا أن يطبق عليهم قانون التقاعد الحالي الذي يفرض على الموظف الاستمرار في عمله حتى سن الخامسة والخمسين، وهو ما يعني أن يسهر طوال خمسة وثلاثين عاماً، مستعيناً بالصبر وفناجين القهوة وعلب السجائر حتى يأتيه الفرج صباحا... وقد لا يأتي أبداً!