مال كثير وسعادة ضائعة
لدينا مال كثير وعمل قليل وديمقراطية وحرية رأي متقدمة بدرجات عن بقية الدول المماثلة لنا من حيث الثروة القومية، ومع ذلك قلما تجد السعادة في وجوه الناس، فإن ذهبت إلى مرافق الدولة تجد أغلب الموظفين متجهمي الوجه، وبعضهم لا يرد السلام عليك، وفي الشارع جنون بلا حدود وتبادل نظرات الغضب بين قائدي المركبات في ازدياد، وفي الصحف إعلانات قضائية لبيع عقارات تعود لإخوة لم يستطيعوا حل مشاكلهم بأنفسهم.
كثير من الناس- خصوصاً محدودي الدخل- يحلمون بالثراء ظناً منهم بأنه سيجلب معه السعادة بالضرورة، لكن التاريخ مليء بقصص لأثرياء لم يذوقوا شيئاً من السعادة، وحتى القرآن الكريم يروي لنا قصص مَن كان لهم ملك عظيم ثم تلاشى دون أي فائدة مثل قارون وغيره، بل نجد في القرآن أيضاً آيات تدل على أن الثراء قد يكون بلاءً وسبباً للعذاب مثل قوله تعالى: «فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون». (التوبة 55) وما لا يدركه الكثيرون أن الباري عز وجل أنعم على كثير من البسطاء بالراحة النفسية التي لا يتمتع بها الكثير من المترفين وأصحاب الثروات باستثناء الذين ينفقون أموالهم بما يرضيه عز وجل. وهنا أنقل لكم فقرة من مقال المفكر الراحل مصطفى محمود «العذاب ليس له طبقة»، حيث يقول المرحوم: «فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوِّض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما يعسر... ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية... ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور. إنما هذه القصور والجواهر والحلي مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب... وفي داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة. والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق». ويضيف المرحوم في فقرة أخرى: «وعلى مسرح الحق والحقيقة... فلا يوجد ظالم ولا مظلوم ولا متخم ولا محروم... وإنما عدل مطلق واستحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم وينير بها ضمائر العميان ويلاطف أهل المسكنة ويؤنس الأيتام والمتوحدين في الخلوات ويعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم. ثم يميل بيد القبض والخفض فيطمس على بصائر المترفين ويوهن قلوب المتخمين ويؤرق عيون الظالمين ويرهل أبدان المسرفين». وكم أرى أن هذه الحالة تنطبق علينا في الكويت حيث بلد الخير الذي ينعم مواطنوه بكثير من المزايا والنعم التي قلما يتمتع بها مواطنو دولة أخرى في العالم. فهناك مال كثير وعمل قليل وديمقراطية وحرية رأي متقدمة بدرجات عن بقية الدول المماثلة لنا من حيث الثروة القومية. ومع ذلك قلما تجد السعادة في وجوه الناس، فإن ذهبت إلى مرافق الدولة تجد أغلب الموظفين متجهمي الوجه، وبعضهم لا يرد السلام عليك، وفي الشارع جنون بلا حدود وتبادل نظرات الغضب بين قائدي المركبات في ازدياد، وفي الصحف إعلانات قضائية لبيع عقارات تعود لإخوة لم يستطيعوا حل مشاكلهم بأنفسهم. والملاحظ أيضا أن الزيادات المالية غير المستحقة بشكل عام لموظفي الدولة قد رافقها زيادة في حدة الأزمات الاجتماعية ومظاهر الطمع والجشع وعدم الرضا، فبات الكثيرون ينظرون إلى هذا البلد وكأنه كنز يتسابقون على نهب ما بقي منه. إنها باختصار وصفة لقوم سيرون أعمالهم حسرات عليهم.