د.سعاد صالح، رئيسة لجنة المرأة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية- بنات في جامعة الأزهر والملقبة بـ«مفتية النساء»، إحدى الشخصيات المثيرة للجدل على الساحة الدينية في الشارع المصري خصوصاً والشارع العربي والإسلامي عموماً، فهي أحد الرافضين للطلاق اللفظي إلى جانب فتواها بضرورة الإشهاد على الطلاق بشاهدين، كما يحدث في الزواج.

Ad

ومن فتاواها منع الزوج من السفر من دون إذن زوجته نظراً إلى خطورة ذلك على استقرار الأسرة، وهي من القائلين بصلاحية المرأة لتولي المناصب القيادية بشروطها، بداية من المناصب الدينية والوظائف العامة وصولاً إلى رئاسة الدولة، وغير ذلك من القضايا التي حاولت «الجريدة» التعرف إليها من جوانبها كافة، خصوصاً في ما يتعلق بالمرأة المسلمة وذلك في سياق الحوار التالي:

كرّم الإسلام المرأة وظلمها الإنسان المعاصر، فما وجهة نظرك في هذا الأمر وكيف يمكن معالجته؟

تناول القرآن الكريم وضع المرأة المسلمة وقضاياها المعاصرة وبيّن لها حقوقها بشكل سبق فيه المواثيق الدولية قديماً وحديثاً، لكن للأسف شهد العصر الراهن بعضاً ممن أطلقوا على أنفسهم لقب «علماء» واتخذوا من قضايا المرأة «مطيّة» لحصر تعاليم الإسلام وقولبتها في مظاهر لا علاقة لها بالدين في معظمها، ولا تخرج عن كونها عادات وافدة، ما أوجد جيلاً من نساء مؤمنات لا يعرفن سوى التشدد والغلو، ويبتعدن عن جوهر الإسلام وحقيقته السمحة، فأضحت هذه المظهرية الخادعة والتطرف الممقوت فرصة ثمينة لأعداء الإسلام لكي يتهموه، عبر مصدريه القرآن والسنّة النبوية الشريفة، بوضع المرأة في مرتبة دونية مقارنة بالرجل.

استتبع ذلك ظهور مشاكل في واقع المرأة المسلمة كانت في غنى عنها، ويرجع ذلك إلى تداخل ثقافات موروثة وعادات وتقاليد واردة على مجتمعاتنا الإسلامية التي تنظر إلى المرأة على أنها عورة وفتنة ولا تخرج من بيتها إلا في حالتين: زواجها ووفاتها، مع أن ذلك لم يحدث حتى في عصر النبوة، حيث كانت المرأة المسلمة تخرج للجهاد وتحضر الغزوات وتتابع العلم في المسجد، والدليل على ذلك أن النساء في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) طلبن منه أن يخصص لهن وقفاً ومجالس للعلم يتفقّهن فيها فقلن: «يا رسول هلا خصصت لنا وقفاً نتفقه فيه كما يتفقّه الرجال»، فقال: « بلى»، وخصص لهن وقفاً ومجالس علم مثلهن مثل الرجال، واختصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) علاقة المرأة بالرجل في كلمات حيث قال: «إنما النساء شقائق الرجال»، فهي شقيقته في التعليم واختيار زوجها والتصرف في أموالها ومشاركة الرجل في بناء المجتمع.

ما الرسالة التي يمكن توجيهها إلى كل من يحاول اختصار أحكام المرأة والأسرة في بعض الآيات القرآنية فحسب؟

علينا، عند أخذ حكم، ألا نتوقف عند آية واحدة خصوصاً في ما يتعلق بأحكام الأسرة والمرأة، فلا بد من تكامل سلسلة الأدلّة والبراهين القرآنية وربطها ببعضها البعض، كي لا نضع المرأة والأسرة في إشكاليات هما بغنى عنها. فقد يسّرها الله بقرآنه الجليل وما أوضعه من تشريع يتلاءم مع حال الإنسان في كل زمان ومكان.

مواطن تكريم المرأة في القرآن الكريم كثيرة، فالله اختص لها سورتين هما: النساء والطلاق الذي أنزل الله فيهما آيات مخصصة لأحكام المرأة وإقرار حقوقها وإيضاح دورها في المجتمع، كذلك سورة المجادلة التي نزل فيها حكم الظِهار الذي أنقذ أسراً عدة من التفكّك بسبب بطلان هذه العادة الجاهلية التي لم تكن في الإسلام، وفرض الله عقوبة شديدة على الرجل الذي يحرّم ما أحلّ الله له من دون ثبوت هذا الظِهار على زوجته، كذلك شرّع الإسلام أن يكون زواج المرأة برضاها واختيارها غير مجبرة عليه من قبل الولي عليها، ليستمرّ الزواج ويستقرّ ويحدث الانسجام بين الرجل والمرأة، لا سيما في ما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الزوجين، ومن يقرأ القرآن الكريم يجد فيه دستوراً لتنظيم الحياة ونوراً وبياناً، لذا فالله سبحانه وتعالى يقول: «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» البقرة 229.

ما هي الحقوق الأساسية للمرأة من وجهة نظرك؟

للمرأة حقّ المشاركة في قضايا المجتمع وحقّ الترشيح والانتخاب، والدليل على ذلك قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» التوبة 71 ، غير أن ذلك فرض كفاية وليس فرض عين، لكن المرأة التي تستطيع التوفيق بين واجباتها كزوجة وأم وبين وظيفتها فلها الحق في ذلك، ولا بد من عدم تفسير قول الرسول: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة» تفسيراً خاطئاً لأنه قيل في مناسبة خاصة حينما كان يجمع المسلمين ولاية وخلافة إسلامية عظمى، فالمرأة ممنوعة في الولاية العامة للمسلمين فحسب، لكن الآن أصبح هناك دول إسلامية مستقلّة لها دساتيرها وجنسياتها وبالتالي للمرأة حقّ الترشيح والانتخاب والمشاركة السياسية في الأجهزة التنفيذية والتشريعية.

كذلك، للمرأة في الإسلام ذمّة مالية مستقلة، فنزلت تلك الآية لشكوى النساء للرسول من أن الرجال يخرجون للجهاد ويكون لهم نصيبٌ من الغنائم ولهم الضعف في الميراث، وهن يرعين الأبناء والأغنام في المنزل وأن الله بهذا قد ميّز الرجال عليهن فأنزل الله تلك الآية: «وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» النساء 32، فشرّع الله للنساء حق التصرف في مالهن من دون إذن الزوج مع إيضاح أن ثمة تمنّياً غير مشروع هو المطالبة بمماثلة الرجل في بعض الأمور، وآخر مشروع وهو تكامل دور المرأة مع الرجل لبناء المجتمع والاجتهاد في العمل وتحصيل العلم.

شرّع الله فريضة العلم على كل مسلم ومسلمة، ونحن اليوم في عصر يستوجب تمسّك المرأة بالتعليم لتعي حقوقها وواجباتها، يرتكب أُولياء أمر البنات خطأ فادحاً في حرمانهن التعليم للزواج المبكر، وعلى رغم أنه لا نص ينهي عنه أو يحتّمه إلا أن الدين الإسلامي دين مقاصد يجب أن نعي ما يريد أن نصل إليه بعقولنا، إذ كيف لفتاة في سن صغيرة أن تتزوج وتتحمل مسؤولية تربية أطفال ورعاية زوج وتدبير أمور حياتها وحياة غيرها في وقت لا تدرك كيفية الحفاظ على نفسها، إذاً كيف تكون ربة أسرة بأكملها؟

كيف تنظرين إلى قضية تعدّد الزوجات؟

تعدد الزوجات رخصة مقيدة ويدخل في باب الظلم على المرأة لو كان لمجرد شهوة ولغير سبب، كالمرض أو عدم القدرة على الإنجاب، لأن الرجال لا يستطيعون أن يعدلوا. كان الصحابة يعدّون عدد القبلات للزوجة الأولى ويعطون العدد نفسه للثانية، المعدد هذه الأيام لا يفعل ذلك، من هنا التعدد مشروط بالمرض أو الرغبة في الإنجاب وما شابه ذلك، أتمنى أن يتمسك المتعدد، إذا أراد التعدد، بسلوك الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم.

أثارت فتواكِ حول عدم وقوع الطلاق إلا بوجود شاهدين جدلاً واسعاً، فهل ما زلت تصرّين على هذه الفتوى؟

بالتأكيد، اشترط الله سبحانه وتعالى الإشهار في الزواج وجعله من شروط صحة الزواج، والزواج هو الميثاق الغليظ الذي يترتب عليه بناء أسرة وتربية الأبناء، فهل من السهولة أن يلقي الزوج كلمة الطلاق فتهدم الأسرة، أم أن يكون الطلاق بالإشهار كما هو الزواج، للتقليل والتقييد من الطلاق للمصلحة؟ لدينا مثال الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كان يفتي من طلّق ثلاث طلقات بكلمة واحدة بأنها تقع طلقة واحدة، وأفتى بذلك أبو بكر الصدّيق، لكن سيدنا عمر عندما لمس تهاون الناس واستهتارهم بالطلاق أوقف ذلك وعاقب من يحلف بالثلاث بوقوع الطلاق.

إذاً تغيّر الحكم بتغير الزمان والمصلحة لأن الله، سبحانه وتعالى، قال: «الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» البقرة 229، فلم يقل سبحانه لنا كيفية وقوعه وترك الأمر للاجتهاد، فاجتهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كذلك فعل عمر وهكذا. بما أن الناس اليوم يكثر على ألسنتهم الحلفان بالطلاق ما ينذر بخراب البيوت وتدمير الأسر إن تم ترك الأمر على علاته يجب حفظ حقوق المرأة في هذا الجانب، لذلك نفتي بأن الطلاق اللفظي لا يقع ويجب الإشهاد على الطلاق حماية للأسرة المسلمة.

سبق أن وصفت العلاقة الحميمة بين الرجل وزوجته بأنها تمثل نوعاً من العبادة، فهل تشرحين هذا الأمر بصورة أكثر إيضاحاً؟

نعم وهذا ليس كلامي أو اجتهادي. يعتبر الإسلام أن علاقة الرجل الجنسية مع زوجته من باب العبادة، لكن بعض الفقهاء وصف العلاقة الجنسية بصورة خاطئة باعتبارها عقد استمتاع من الرجل للمرأة، وحلل وفق ذلك أن يستمتع بها من دون النظر إلى احتياجاتها، ودلل على ذلك بالحديث الذي يقول فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إذا دعا الرجل المرأة إلى فراشه ثم أبت، باتت تلعنها الملائكة حتى يرضى»، وجعل من ذلك سيفاً مسلطاً على رقبتها من دون التماس لحالتها المزاجية أو الصحية، أو غير ذلك من الظروف التي تتعرض لها النساء، وهذا ما يمكن وصفه بالاغتصاب الزوجي، لأن الرجل إذا عامل زوجته في الفراش بطريقة سيئة ولا تتفق مع آدميتها وكرامتها، يكون مغتصباً لها، وهذا أمر لا يقرّه الشرع الحكيم، لذلك يجب إعادة النظر في الفقه الذي يتناول المسائل الزوجية، ويجعل بعض الفقهاء يقولون: «إن المرأة تستحقّ دخول النار إذا لم تفعل ما يدعوها إليه الرجل»، كأنها مجرد آلة فحسب.

أنتِ من أشدّ المتحيّزين للمرأة في قضية تولّي المناصب القيادية، لكن هل يمكن أن تصل إلى رئاسة الدولة؟

نعم، يجوز شرعًا أن تتقلد المرأة المناصب القيادية كافة ومنها الرئاسة شرط ألا يؤثر ذلك على دورها في رعاية أفراد أسرتها. لم يفرّق الإسلام بين الرجل والمرأة في التكاليف الدينية، فقد جاء الخطاب الديني متساويًا من حيث العبادات والفروض، فيما جاء الاختلاف بينهما في القوامة والشهادة والميراث وتعدد الزوجات. وتقوم العلاقة بينهما، مثلما حددها الإسلام، على العدل والمساواة والإحسان والفضل.

الذي يخلق الاختلاف بين الرجل والمرأة هو التفسير الخاطئ لبعض نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية، وحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، كان حديثاً مخصوصاً لأهل فارس أولاً وفُسِّر بشكل خاطئ لأن المقصود في الحديث ليس رئاسة الدولة ولكن الولاية العامة أي خلافة المسلمين العامة في العالم أجمع. اليوم بعدما أصبح العالم دولاً مختلفة ولم تعد هناك خلافة إسلامية فلا مانع من تولي المرأة رئاسة الدولة إذا كانت تصلح لهذا المنصب، فالمرأة ممنوعة من الخلافة العامة والإمامة في الصلاة.

من وقت إلى آخر تُطرح على الساحة قضية المرأة المفتية، فما رأيك في هذه القضية؟

لا مانع شرعياً من تولّي المرأة منصب الإفتاء، وقد قام الإجماع وانعقد بين جميع طوائف الأمة من مفسرين ومحدثين وفقهاء بأن الذكورة ليست شرطاً للمفتي‏،‏ وأنه يجوز الإفتاء من الرجل والمرأة على السواء‏،‏ وذلك لعموم قوله تعالى‏: «‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» التوبة 71.

مما لا شك فيه أن الإفتاء بمعنى إظهار الحكم الشرعي داخل في نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كذلك يؤيد عمل الرسول (صلي الله عليه وسلّم) ذلك حينما كان يستعين بأم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) لتوضيح المسائل الفقهية الخاصة بالنساء عندما كان يشعر (صلى الله عليه وسلم) بالحرج، وأنه لا بد من التفريق بين الإفتاء والاجتهاد والقضاء‏،‏ فالإفتاء هو إظهار الحكم الشرعي من مصادره‏،‏ أما الاجتهاد فهو إنشاء الحكم الشرعي من مصادره‏،‏ والقضاء هو إلزام المتخاصمين بالحكم وهو من باب الولاية‏،‏ بينما الاجتهاد والإفتاء ليسا من باب الولاية.

اختلف الفقهاء في تولّي المرأة الولايات العامة، كالقضاء والإمامة العامة، وجمهورهم على عدم جواز توليها‏،‏ بينما اتفقت كلمتهم وانعقد إجماعهم على جواز تولّي المرأة الإفتاء ليس للنساء فحسب بل للرجال أيضا‏ًًً،‏ لأنه لم يرد نص شرعي من كتاب الله أو من سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) يقيّد أن تكون المرأة مفتية‏. كان الصحابة يسألون السيدة عائشة في أمور كثيرة، وكانت لها مدرسة في الاجتهاد تمتاز بانفرادات وآراء خالفت فيها كثيراًً من الصحابة كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس (رضي الله عنهما)‏،‏ وكان لها منهج في الإفتاء والاجتهاد‏.

أفتيت بضرورة وجود ما يلزم الزوج باستئذان زوجته قبل السفر خارج البلاد، مع ذلك ترفضين سفر الزوجة من دون إذن زوجها، لماذا؟

القضيتان مختلفتان تماماً، فسفر الزوجة من دون إذن زوجها مرفوض شرعاً وفيه نصوص تمنعه، كذلك لا يجب سفر الزوج إلى الخارج من دون إذن زوجته، خصوصاً إذا كان سيتغيب عنها فترات طويلة، بل أطالب بوجود تشريع قانوني يلزم الزوج بالاستئذان من زوجته قبل سفره خارج البلاد والعمل لفترة طويلة، لأن الواقع اليوم يستدعي أن ننظر إلى هذا الأمر بجديّة بعد انتشار المخدرات بين الأبناء والخيانة الزوجية ولحق الضرر بأسر كثيرة أغدق معيلها المسافر الأموال على زوجته وأولاده تاركاً أسرته في مهبّ الريح، وبالتالي يتعرض المجتمع نفسه لهزة كبيرة، لذلك أعتبر الزوج الذي يسافر ويترك زوجته وأولاده يتعرضون للضرر آثماً شرعاً.

هل يفهم الرجال في العصر الراهن معنى القوامة الحقيقي كما جاء به القرآن الكريم وأراده الإسلام أم ثمة من يسيء إلى هذا المفهوم؟

القوامة خدمة ومسؤولية في الوقت نفسه، فالرجل مسؤول عن أهله أمام الله عزّ وجلّ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالزوج راعٍ في أهله ومسؤول عن أسرته وهو العائل لزوجته، لذا عليه أن يكون في خدمة أهله ويسهر على شؤونهم ويشاركهم همومهم، ويتفقَد أحوالهم ولا يضيعهم، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَن يعول». يجب أن نعلم أن من واجبات القوامة أيضًا أن يعاشر الرجل زوجته بالمعروف، كما قال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» النساء 19.

المعاشرة لفظة عامة تشمل جوانب الحياة الأسرية والتعاملات الزوجية التي تقع بين الزوجين، لذا الزوج مطالب بأن يُحسن إلى زوجته في حديثه إليها ومراعاة ما يدخل السرور إليها، وإذا كان هو سيّد الأسرة والمسؤول عنها، فيجب أن يكون عادلاً في تعامله معها ويرعى حقوقها وواجباتها.

مؤسف ما نراه اليوم من أن رجالا كثراً يسيئون فهم معنى القوامة ويتخذونها سيفاً على رقبة المرأة، وكأنه لا يُحفظ من القرآن الكريم سوى آية القوامة، ثمة نماذج من هؤلاء الرجال الذين يخسرون في نهاية الأمر زوجاتهم بل وأبناءهم أيضاً ويهدمون بيوتهم لمجرد سوء تصرف من الزوج، فيما نجد آيات كثيرة وأحاديث تحذّر الأزواج من ظلم زوجاتهم، فإذا قام الرجل بالقوامة، كما يقصد بها، ستسعد المرأة وتنعم الأسرة بالاستقرار.

المرأة هي المستفيد الأول من القوامة، من هنا أكرر أن المشكلة تكمن في وجود نصوص من القرآن والسنّة تم تأويلها وتفسيرها تفسيراً متشدداً ومُتأثراً ببعض الثقافات الأخرى، منها استشهاد الناس بالآية الكريمة «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء» النساء 34، وأن هذه القوامة هي إلغاء لشخصية المرأة وأن الرجل يزيد عليها بدرجة وما عليها إلا الطاعة والاستجابة من دون أي مشاركة لها في الأمور الحياتية.

لكن من يتدبر القرآن الكريم يجد أن الله عزّ وجل طلب من الزوجة البرّ والطاعة لزوجها والاحترام وعدم المضارة والمعاشرة بالمعروف، فيما يطلب من الرجل أن يعاملها بالمثل، فهي مثله إنسانياً ومثله في الأحاسيس والمشاعر، فلماذا يتعامل معها على أنها دون أو أقل منه؟ هذا مخالف تماماً للنص القرآني: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» البقرة 228.

ثمة سوء فهم لبعض نصوص السنّة الخاصة بالمرأة أيضاً على غرار القوامة، فما رأيك؟

صحيح. ثمة نص من النصوص التي أُسيء فهمها من السنّة النبوية في إحدى المناسبات الدينية وهو قوله (صلى الله عليه وسلم) للنساء في عيد الأضحى: «يا معشر النساء تصدّقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقالت امرأة منهن: «ومالنا يا رسول الله أكثر أهل النار»، قال: «تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن». قالت: «يا رسول الله وما نقصان عقلنا وديننا»، قال: «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين»، وهذا النقصان الوارد في الحديث ليس متعلقاً بالأجر ولا بالثواب قال تعالى: «إنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض»، كذلك نقصان العقل والدين نقصان فطري جُبلت عليه المرأة كونها سريعة التأثر. الأصل أن المرأة عاطفية وهذا يحسب لها لا عليها، فهي تتعامل مع الجنين والرضيع فكيف تكون قاسية، ثم نقصان الصلاة والصوم بسبب فطري وهو الحيض، وفي المناسبة نفسها يطلب الرسول (صلى الله عليه وسلم) من النساء أن يتصدقن، فكيف يطلب ذلك وهن ناقصات عقلاً وديناً؟ لا بدّ من أن يكون هناك فهم صحيح للنصوص التي يعتمد عليها المتشددون الذين يبتعدون تماماً عن وسطية الإسلام وسماحته.