كثُر الحديث خلال الآونة الأخيرة عن إنشاء بنك للتنمية سيموِّل الشركات التي ستنفذ مشاريع التنمية، وتطور الأمر إلى الحديث عن تمويل هذا البنك أيَّ مشروع حكومي في ما بعد، وهو الأمر الذي رأى المصرفيون أنه سيهدد بحدوث اختلالات في الاقتصاد الوطني والمبادئ الأساسية التي يعتمد عليها.

Ad

أكد مصرفيون أن الحديث عن بنك التنمية غير مجدٍ ويصعب تناوله الآن، قبل أن يتم إعلان أغراضه الأساسية، لكن بشكل عام فإن فكرة إنشاء بنك للتنمية عفا عليها الزمن، ولا تنطبق على اقتصاد دولة كالكويت، خاصة مع سعي الأخيرة إلى تحرير الاقتصاد واعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، متسائلين: هل يعقل أن يتم إنشاء بنك لتمويل ثلاث شركات فقط؟

وشددوا على أن إنشاء مثل هذا البنك سيؤدي إلى حدوث اختلالات كبيرة في المبادئ الاقتصادية والخطوط الرئيسة التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، وأهمها: حرية السوق، تطبيق منافسة عادلة بين الشركات، الانضباط تحت سلطة الرقابة والممثلة في البنك المركزي.

وبينوا أنه عند انشاء مثل هذا البنك يجب وضع حلول لعدة تساؤلات، اهمها: ما الهدف منه؟ وهل يوجد نقص في التمويل حتى يتم إنشاؤه؟ موضحين أن هذه الاسئلة ترد عليها البيانات الدورية التي ينشرها البنك المركزي، والتي تؤكد قدرة البنوك المحلية على تمويل جميع مشاريع التنمية خاصة مع وجود سيولة كبيرة لديها.

مفهوم بنك التنمية

ولفتوا إلى أن مفهوم بنك التنمية في دول الخليج يطلق على البنوك الحكومية التي تدعم قطاعا معينا، مثل البنك الصناعي في الكويت الذي يقدم عمليات التمويل للمشاريع الصناعية للقطاع الخاص عبر إدارة محفظة تمويلية حكومية، لذا فمن المستبعد "فنيا" أن يتم انشاء بنك تنمية حكومي يتخصص في تمويل المشاريع الحكومية، فبذلك تكون الحكومة تمول نفسها.

ولفتوا إلى أن الجهاز الخاص بتمويل المشاريع الحكومية يجب أن تكون لديه الكفاءة والخبرة لإدارة تمويلات بهذا الحجم، وهو ما يتوافر في البنوك المحلية، لافتين إلى أن بعض المشاريع التي سيتم طرحها ليس لدينا خبرة محلية فيها مثل مشروع المترو، وهو الامر الذي يحتم علينا الاستعانة بخبرات وشركات اجنبية لتنفيذها وغالباً ما تأتي هذه الشركات بتمويل من الخارج، ولن تستطيع الادارة الحكومية أن تتعامل معها بالكفاءة التي تقوم بها البنوك.

رأي فني بحت

وأفادوا بأن الرأي المصرفي "الفني" الواقعي البعيد عن أي مهاترات سياسية، يؤكد أن انشاء جهاز مصرفي جديد غير مجدٍ عملياً، خاصة أن هناك بنكا جديدا (وربة)، لم يتم استكمال الكفاءات الادارية له بسبب النقص الكبير في الخبرات والكوادر المصرفية المحلية والعربية، وهو امر تعانيه جميع البنوك، وتحاول ان تسده بشتى الطرق.

وأضافوا أنه عند التفكير في انشاء بنك للتنمية، يجب أن تتم دراسة وقياس مدى نجاح التجارب المماثلة في الدول الاخرى، مؤكدين أن نجاحها في بعض الدول لم يكن مطلقا، خاصة أن هذه البنوك تديرها الحكومة بكل ما تعانية من بيرقراطية، وتفتقر إلى الكفاءة ودائما ما تكون قرارتها غير مهنية ومتحجرة وتعتمد في تحديد مخاطر المشروع على وجود الحكومة كممول، موضحين أن إنشاء بنك حكومي يقدم التمويل المدعوم لبعض الشركات على حساب شركات اخرى، سيخلق وضعا غير عادل للتمويل سيؤدي في النهاية إلى خروج بعض الشركات من السوق، خاصة أن هذا البنك ستحكمه البيرقراطية الحكومية مما قد يفتح مجالا لحدوث فساد إداري، ويخلق محسوبية في اعطاء الدعم لشركات دون أخرى.

ولفتوا إلى تجربة البنك الصناعي الكويتي الذي خلق نوعا من العدالة في القطاع الصناعي، بوضعه معايير محددة وقواعد مرسومة بنفس المعايير لجميع الشركات التي يقدم لها التمويل، دون استثناءات، موضحين أن البنك الصناعي يخضع لرقابة "المركزي" كما يخضع له باقي البنوك، لذلك فهو يمول داخل السياسية الائتمانية للدولة، مشددين على أن أي تمويل خارج القطاع المصرفي سيؤدي إلى مشاكل كبيرة واختلالات في الاقتصاد، مشيرين إلى أن البنكين الوحيدين اللذين لا يخضعان لرقابة المركزي هما بنك التسليف وبنك الدم.

التمويل النموذجي

أكدت المصادر المصرفية أن التمويل النموذجي هو أن تفتح الحكومة محافظ ائتمانية لدى البنوك المحلية العاملة بحجم التمويل الممنوح، وبذلك تستطيع البنوك التمويل وفق السياسة الائتمانية المقرة من البنك المركزي دون استثناءات وبعيداً عن التمويل المدعوم، داعية البنوك في الوقت نفسه إلى عدم طلب ضمانات من أجل تمويل المقاولين، وأن يكون التمويل بناء على جدوى المشروع لا على الضمانات المتوافرة.

تخبّط في الضمانات

وأوضحوا انه في حال إنشاء مثل هذا البنك، فقد يحدث تخبط حكومي في مسألة الضمانات التي تأخذها الحكومة من الشركات المنفذة لمشاريعها، طارحين مثالا عن ذلك انه عندما تبني الحكومة مشروعا معينا فإنها تطلب ضمانات بنكية تصل إلى 3 في المئة من الشركات التي تتقدم للمناقصة، حتى تثبت هذه الشركات جديتها في دخول المناقصة، ثم تدفع الحكومة 10 في المئة من قيمة المناقصة للشركة حتى توفّر متطلباتها مثل المواد الانشائية المستخدمة والعمالة اللازمة، والامور الاخرى المتعلقة بها، وتأخذ ضمانات بنكية على هذه الشركة مقابل الـ10 في المئة، وعندما تنهي الشركة مرحلة من المشروع تأخذ جزءا آخر من قيمة المناقصة بضمانات جديدة، تسمى "ضمانات أداء" والتي تبين أن الشركة ملتزمة شروطَ العقد، حتى يتم انتهاء المشروع بالكامل، مبينين أن الحكومة تصادر هذه الضمانات عند حدوث اي إخلال في العقد مع الشركة لتحافظ بذلك على سير العمل في المشروع.

وأضافوا أنه في حال تمويل بنك حكومي هذه الشركات فلن تستطيع الحكومة الرقابة على الشركات بالطريقة السابقة، خاصة أنها ستكون بمنزلة من يضمن نفسه، ولن تستطيع مصادرة الضمانات البنكية، مؤكدين أن الحكومة هي اكثر جهة تصادر الضمانات البنكية في الكويت.

خلط الأوراق

وأشاروا إلى ان البعض يخلط بين تمويل المقاولين وتمويل الشركات، فالاول لا مشكلة فيه خاصة أن جميع المشاريع الحكومية التي تمت في السابق كانت ممولة من البنوك الكويتية ولم تكن هناك مشكلة في التمويل، لكن المشاكل التي ظهرت كانت فنية كما حدث في مشروع مستشفى جابر.

وزادوا ان تمويل الشركات يعتمد بشكل اساسي على مدى الجدوى الاقتصادية للشركة الممولة، مؤكدين أن بعض المستثمرين يريدون تمويل مشاريعهم غير المجدية والتي لديها مشاكل في الادارة، وهو ما تمتنع عنه البنوك.

إسناد الدور إلى «وربة»

وعن فكرة إعطاء بنك "وربة" الجديد مهام بنك التنمية بأن تقوم الحكومة بضخ مبالغ كودائع لديه، ويموِّل هو المشاريع الحكومية، استبعدت المصادر مثل هذا الحل، خاصة أن البنك لم يتم استكمال كوادره الوظيفية، كما انه ليس لديه الخبرة الكافية لإدارة تمويل بمثل هذا الحجم، لافتين إلى أن "وربة" الآن ملك لقطاع كبير من المواطنين، لكن ما الضمان بعد ذلك من حدوث استحواذ عليه من قبل جهة أو أكثر، كما حدث من قبل في بنك "بوبيان"؟