لم نسمع قط أن العراق الحديث قد عانى فتنة طائفية مذهبية بين السنة والشيعة طوال تاريخه، نعم العراق وشعبه عانى أنظمة الحكم التي حكمته، وعانى الظلم الكبير الذي وقع عليه، وبخاصة أثناء وجود المقبور صدام حسين على رأس السلطة، لكنه أبداً لم يعان فتنة طائفية مذهبية، بل كان السنة والشيعة يتجاورون في سكنهم، ويتزاوجون في ما بينهم، ويتشاركون في تجارتهم، وبالكاد تستطيع أن تعرف من هو السني أو الشيعي من بينهم، فإذا تعرفت إلى سني ظننت أن العراقيين كلهم سنة، وإذا صادفت شيعياً ظننت أن العراقيين كلهم شيعة، حتى دخلت أميركا العراق لتحرره من عبودية الدكتاتور وجبروته، فتغيرت أحواله وتبدلت أنظمته، كنا نراهن على عراق جديد، عراق يحكمه أهله مرتكزين على إرث حضاري عظيم، عراق موحد، وحدته ضربات السيوف على الرقاب والسياط على الظهور، عراق الحرية والديمقراطية، لكن العم سام كان له رأي آخر وهدف مغاير، فشرع يفتح أبواب الطائفية على مصاريعها وبدأ يبذر بذور الفتنة ويسقيها حتى أينعت وأثمرت حقداً وبغضاء وكراهية، وبدأت كل طائفة التشرذم والتحصن استعداداً للانقضاض على ميراث الحكم السابق دون تفكير في المواطن الشريك، وبدأ الأميركان تقسيم التركة على أساس طائفي، فرئيس الجمهورية من طائفة ورئيس الوزراء من أخرى، ورئيس البرلمان من طائفة ثالثة، وهكذا بني العراق الجديد على أساس الشك والفرقة وبدأت الطوائف تبحث في الخارج عمن يدعمها ويساندها ويحميها، فلم يعد الوطن حصناً للجميع، بل توزع إلى حصون صغيرة لا تستطيع القيام وحدها بمهمة الدفاع فأصبحت الحاجة ملحة إلى اللجوء إلى الخارج والاستقواء بالأجنبي، ولعل أزمة الحكومة العراقية الحالية التي مازالت مستمرة تؤكد ما ذهبنا إليه وتكشف مدى خطورة ما آلت إليه الأوضاع الداخلية في العراق والبركة في سياسة العم سام.

Ad

***

تقرير وزارة الخارجية الأميركية الأخير عن الكويت يسير في نفس المنهاج السابق الذي سار عليه في بناء العراق الجديد لذلك يجب الحذر منه سنة وشيعة فهو مشروع فتنة لا يخفى على العاقل الفطن.