في حال سخر العالم سابقاً من فكرة أن يرى كيم جونغ يون، بوجهه الصبياني السمين، يتجه نحو تولي منصب الدكتاتور المرتقب لكوريا الشمالية، فلم يعد الأمر مضحكاً بعد الآن. فقد استهدف سيل من القذائف المدفعية، طوال 65 دقيقة، في 23 نوفمبر، جزيرة يون بيونغ الصغيرة في كوريا الجنوبية، وهي المرة الأولى التي تطلق فيها كوريا الشمالية القذائف على أهداف مدنية في تلك المنطقة منذ الحرب ما بين عامي 1950 و1953.

Ad

خلال الهجوم الذي أدى إلى اشتعال المنازل والمناطق المجاورة للتلال، قُتل أربعة أشخاص من كوريا الجنوبية- مواطنان مدنيان وعنصران في القوات البحرية- وجُرح حوالي 20 آخرين. وكان يمكن أن يترافق الهجوم المضاد من جانب كوريا الجنوبية، بعد الاعتداء مباشرةً، مع تصعيد خطير في الوضع، وهو أمر تريد كوريا الجنوبية وحلفاؤها تجنبه بأي ثمن تقريباً، ويدرك مخططو الاعتداءات في بيونغ يانغ ذلك جيداً.

بعد إغراق سفينة "تشيونان" التابعة للبحرية الكورية الجنوبية ومقتل 46 عنصراً من البحرية، في شهر مارس الماضي، تلت تلك الحادثة فترة من الشك بالطرف المسؤول عما حصل. لكن كانت هذه المرة مختلفة، فقد اعتُبرت هذه الحادثة، بحسب ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون (وهو مسؤول وطني في كوريا الجنوبية) "إحدى أفظع الحوادث منذ نهاية الحرب الكورية".

وجاء القذف المدفعي بعد أيام قليلة تلت كشف كوريا الشمالية لعلماء أميركيين عن وجود منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم، وقد أخبر العاملون في المنشأة الزوار بأن الهدف منها كان إنتاج الوقود النووي، غير أن أحداً لم يغفل عن واقع أن إنتاجها قد يُستخدَم أيضاً لتصنيع الرؤوس النووية الحربية. وحدها الطبقة الحاكمة في بيونغ يانغ تعرف ما تأمل تحقيقه بواسطة هذه المنشأة، لكن يوجد سيناريوهان منطقيان على الأقل يمكن أن يربطا بين الاعتداءين الاستفزازيين.

يقضي السيناريو الأول بأن يلجأ النظام إلى استراتيجيات مألوفة على طريقة العصابات من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات الدولية في إطار المحادثات السداسية المؤجلة، برئاسة الصين وبمشاركة الولايات المتحدة واليابان وروسيا. لقد التزمت كوريا الجنوبية وحليفاها الرئيسيان، أي الولايات المتحدة واليابان، منذ العام الماضي، بعملية تسميها إدارة باراك أوباما "الصبر الاستراتيجي"، فامتنعت تلك الأطراف عن عرض استئناف المحادثات إلا في حال التزمت كوريا الشمالية جدياً بالتخلي عن ترسانتها النووية.

نظراً إلى حاجتها الماسة إلى المساعدة والقبول الدوليين، فقد يزيد خصومها من المخاطر المطروحة لتحطيم أعصابها. ففي نهاية المطاف، يدرك النظام جيداً أنه، من دون الأسلحة النووية، سيخسر قدرته على فرض نفوذه في محيطه وعلى إخافة دول أخرى لإجبارها على تقديم المساعدة إليه. في هذا السياق، يقول أندرو غيلهولم من شركة "كونترول ريسكس" (Control Risks) للاستشارة الأمنية: "هم يضغطون بشدة منذ فترة ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء". ويرى غيلهولم أن هذه المقاربة تشكل، في جزءٍ منها، طريقتهم في قول "لا يمكنكم تجاهلنا".

أما السيناريو المحتمل الثاني، فيتعلق بواقع أن كوريا الشمالية تريد أن تثبت لمواطنيها أن القائد المرتقب صارم بقدر والده كيم جونغ إيل على الأقل. في هذا الإطار، يقول فيكتور تشا، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأحد مفاوضي كوريا الشمالية في إدارة بوش، إن النظام يحاول جاهداً إثبات شجاعته تزامناً مع دخوله حقبة غير مستقرة ستشهد تولي قائد جديد للحكم.

بغض النظر عن الافتراض الصحيح (وقد تثبت صحة السيناريوهين معاً)، تواجه كوريا الجنوبية وحلفاؤها موقفاً صعباً: فكيف يمكن الرد على كوريا الشمالية من دون المجازفة بتصعيد الأزمة؟ جاء رد الولايات المتحدة من خلال نشر مجموعة من الناقلات الحربية للانضمام إلى مناورات كوريا الجنوبية البحرية في المياه المجاورة ليون بيونغ. إنها إحدى الجزر المتعددة الواقعة ضمن ما يُسمّى بـ"الخط الفاصل الشمالي"، ولطالما ادعت كوريا الجنوبية أنه يعود إليها منذ انتهاء الحرب الكورية (بل الأصح منذ "تعليق" الحرب الكورية) بموجب هدنة عام 1953. ومن الطبيعي أن تعتبر كوريا الشمالية الخط الفاصل الشمالي غير شرعي. على صعيد آخر، تهدف التدريبات البحرية التي ستجري في نهاية هذا الأسبوع إلى ردعها عن اللجوء إلى عمليات قصف إضافية لإثبات وجهة نظرها تلك.

يرجح ناروشيغ ميشيشيتا، خبير أمني في المعهد الوطني العالي للدراسات السياسية في طوكيو، وقوع السيناريو الأول. وبحسب رأيه، يشير النمط الاستفزازي الذي تعتمده كوريا الشمالية إلى أنها تسعى إلى عقد معاهدة سلام تحل مكان المعاهدة القديمة. غير أن الولايات المتحدة لن توافق على أمرٍ مماثل إلا إذا قدمت كوريا الشمالية تنازلات نووية أولاً. كذلك، تصر وزارة الخارجية الأميركية على أنها لن "تقع ضحية هذه الحلقة المفرغة من ردود الفعل والمكافآت التي تسعى كوريا الشمالية إلى التمسك بها".

نتيجةً لذلك، ستبقى الصين وحدها في موقف يخولها تخطي هذا المأزق، وذلك من خلال ممارسة بعض الضغوط الهادئة على حليفتها المشاغبة. غير أن ردة فعل الصين العلنية، كما حصل بعد حادثة إغراق سفينة "تشيونان"، قضت بالدعوة إلى الهدوء وعدم إدانة أي طرف. وحين تتصرف الصين بتحفظ وخجل، تزيد قوة عائلة كيم، ما يصعب الأمور على جميع الأطراف الأخرى.