لو أن المستشارين الذين استمزجهم الرئيس بشار الأسد في مضمون الخطاب الذي وجهه إلى الشعب السوري من فوق منبر مجلس الشعب يوم الأربعاء الماضي يتحلون بالموضوعية وبالإخلاص، لكانوا أشاروا عليه بخطاب آخر أو على الأقل باستبعاد مفردات التحدي والتهديد والوعيد من هذا الخطاب «أما إذا كان هناك من يريد المعارك والحرب فنحن جاهزون» الذي جاء ليصب الزيت على النار وليستثير الأغلبية ويوتّرها بدلاً من تهدئتها.

Ad

إن سورية تختلف عن مصر وعن تونس وعن اليمن وكل الدول العربية التي شهدت ارتدادات زلزالية, بعد أن بدأ هذا الـ»تسونامي» الثوري المدمَّر بضرب المنطقة, في أن الإحساس العام لدى غالبية مواطنيها هو أنهم محكومون من قبل أقلية طائفية، مع أن هذا في الحقيقة غير صحيح، فالحكم منذ «الحركة التصحيحية» في عام 1970, حكْمُ اتجاه واحد على رأسه سابقاً حافظ الأسد وحالياً ابنه بشار، وحظ الطائفة السنية التي هي الأكثرية كحظ الطائفة العلوية إن من الخير أو من الشر.

غير صحيح على الإطلاق أن الطائفة العلوية موحدة وعلى قلب رجل واحد هو بشار الأسد، فهذه الطائفة التي بقيت محرومة من المشاركة في الحكم حتى انقلاب الثامن من مارس عام 1963 فيها اتجاهات قديمة وجديدة متعددة متصارعة، فهناك تيار الضابط اللامع محمد عمران الذي اغتيل في طرابلس في الشمال اللبناني في بدايات عقد ثمانينيات القرن الماضي، وهناك تيار اللواء صلاح جديد والدكتور إبراهيم ماخوس، وهناك تيار غازي كنعان الذي نُحر أو انتحر على خلفية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005.

ولهذا فقد كان الأسلم والأفضل لو أن مستشاري الرئيس بشار الأسد أشاروا عليه بخطاب آخر من حيث الشكل ومن حيث المضمون، فسورية مستهدفة بالفعل وهي مستهدفة بوحدتها وهذا أخطر استهداف، ولذلك فقد كان لابد من الإسراع بالاستجابة لمطالب غالبية الشعب السوري بالإعلان وعلى الفور عن إلغاء قانون الأحكام العرفية المعمول به منذ عام 1963، وإلغاء احتكار حزب البعث للسلطة، والسماح بتعددية سياسية وحزبية حقيقية غير صيغة الجبهة التقدمية الموروثة عن دول المنظومة الاشتراكية التي انهارت ورحلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

كان الشعب السوري ينتظر لغة غير لغة خطاب يوم الأربعاء الماضي ومفردات غير مفرداته، وكان ينتظر إصلاحات وتغييرات فورية، ولهذا فإن هذا الخطاب قد جاء كصدمة للذين كانوا ينتظرون مثل هذه الإصلاحات والتغييرات، وهو قد جاء أيضاً محبطاً لهؤلاء لأنه تضمن إصراراً على أن حزب البعث هو الحزب الأوحد الذي يقود الدولة، وهذه أيضاً من صيغ الماضي الموروثة عن الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وهي صيغ ثبت فشلها عندما انهارت أمام أول هزة كالأبنية الكرتونية.

هناك خطة إسرائيلية قديمة وهي فعلية وحقيقية وليست من إنتاج عقليات «المؤامرة» لتمزيق الدول العربية وفي مقدمتها سورية على أسس طائفية وعرقية «أثنية»، ولهذا ولتجنب هذا المصير الخطير والمدمَّر فقد كان على الرئيس الأسد أن يخاطب الغالبية من شعبه بغير المفردات التي تضمنها خطاب الأربعاء الماضي الذي إن هو يصلح لوضع كوضع ما بعد مذبحة «حماة» في عام 1982 فإنه لا يصلح على الإطلاق لهذه المرحلة، حيث عالم اليوم غير عالم الأمس وحيث هذا الـ»تسونامي» الهادر الذي يجتاح المنطقة، وهذا الدعم الأميركي-الأوروبي الذي وصل إلى استخدام القوة العسكرية المباشرة لتعميم «الفوضى الخلاقة», التي هي في الحقيقة غير خلاقة, في المنطقة العربية كلها.