آمال: مشياً على الاقدار


نشر في 14-12-2010
آخر تحديث 14-12-2010 | 00:00
 محمد الوشيحي حكايتي مع قلمٍ غير عاقل...

أصبحنا متهمين مقدماً إلى أن تتدبر الحكومة تهمة تليق بكل منا على حدة... نتجول مشياً على الأقدار في اتجاه الغد، والغد يقف هناك ويداه خلف ظهره، يخبئ في إحداهما عصا مزينة بمسامير، وفي الأخرى وردة يحرسها سبعون شوكة مما تعدون.

وقلمي أتعبني... أنا أريد أن أصبح واحداً من العقلاء، أو أن ابتعد عن قافلة «المجانين» على الأقل، وهو يضع سبابته وإبهامه على شواربه ويهمهم «يا عيب الشوم»، ثم يرمي بذاكرتي في حضني بقسوة، ويتمنن عليّ: «تذكّر يا محمد، كم كنت أدفعك إلى رصيف السياسة فترفض في أحيان كثيرة، وتجرني من يدي إلى «البست»، أو المسرح، لنرقص وأنت تلصق فمك في أذني وترفع صوتك ليخترق ضجيج الموسيقى وصخب الراقصين، وتشير بأصبعك (انظر إلى عينيها «الغيفاريتين» الثائرتين، لا ينقصهما إلا قبعة «تشي»، تمعّن بركانَ شفاهها وحممه المكتنزة)، وأنا أنصت إليك بكل ما أوتيت من مجاملة... تذكّر يا محمد كم مرة طلبت مني أن أصدم صبية بكتفي كي أوقع حقيبة يدها فتسارع أنت وترفع حقيبتها متظاهراً (بالجنتلة)... تذكّر يا محمد كم قهقهنا، أنت وأنا، على رصيف المقالات، في الساعة الأخيرة من الليل، أنا أتحدث عن مآثر السرير ومحاسن اللحاف، وأنت تقسم أن تعصر الليل حتى آخر نجمة»، يصمت قليلاً ثم يندفع متحدثاً بصوت خفيض ليحرّك فيّ نخوتي «الكويت هناك، انظر إليها، انقطع صوتها ولم تعد تقوى على البكاء بعد أن استنزفت رصيدها كله على فقدان ابنتها «الحرية»... انظر إليها وهي تشمّ رائحة ثياب ابنتها المغدورة وتتلمس ألعابها، انظر إليها وهي تتكئ على الحائط جاحظة العينين فاقدة الإحساس والعقل، لا تعرف أحداً من المحيطين بها، انظر إلى الكويت التي لا تريد منك ولا من غيرك، إلا أن ترشدوها إلى مكان قبر ابنتها «الحرية» كي تبكي عليها عن قرب، وعن لمس، وعن حضن، وأنت تريد أن تمسح آخر قطرة من إنسانيتك لتصبح (عاقلاً)».

طمأنتهُ: «سأحتاط، لا تخف عليّ، سأفعل كما يفعل زميلي الكبير عبداللطيف الدعيج، وأتظاهر أنني ضد ضرب الناس بالهراوات، فأقذف الحكومة بحصاة صغيرة، أحرص على ألا تصيبها، قبل أن ألتفت إلى المعارضة وأدهن فوهة بندقيتي وأصوبها عليهم... ها هو محسوب على من يرفض استعمال العصا، رغم كل حروفه ونقاطه وفواصله الحكومية، ها هو أبو راكان يسامر العقلاء ويتناول معهم الفراولة، رغم أنه ليس من عشاق «التنمية»، ولا يعاني ألماً في محفظته، لكن يبدو لي أن ما يؤلمه هو «عرقٌ» قصير لا يصل إلى المناطق كلها.

التفتّ إلى القلم لأستشف ردة فعله، فإذا هو يتبسم شماتة، ويهز رأسه: «ألم تكتب في الدعيج معلقة يوماً ما؟ ألم تحفر الخنادق لتدافع عنه في الدواوين؟».

نفثت دخان سيجارتي إلى الأعلى لعله يجيب عن أسئلته المكدسة، لكن خصمي / قلمي أصر على سماعها، كعادته، لتذكيري بها كعادته يوماً ما. فانتزعت كلماتي بأظافر القرف: «شوف، نحن في زمن جويهلي، ما نجلبه من السوق على أنه برتقال، يتضح لنا على المائدة أنه حنظل، والعكس بالعكس، ولا أحتاج إلى تذكيرك أنني لست طبيب أشعة يكشف عن العروق ويميّز فصائل الدم. ثم يا سيدي، كم من أشياء سقطت من يدي ومن عيني... لم أعد أكترث بالخسائر، ولا بسقوط التماثيل العملاقة... وأظن أن تمثال أبي راكان لا يكترث بعيني».

أتعبني هذا القلم، قاتله الله، كلما سلكت طريقاً سدّه... أتعبني وهو يتقمّص شخصية خادم المتنبي الذي ذكّره ببيت شعره الخالد (الخيل والليل والقوات الخاصة وجريدة الوطن...) فانثنى عائداً فقُتِل... تبّاً للأقلام والخدّام، وعاش أبو راكان.

back to top