إن كانت التوبة عن الأخطاء الماضية هي الخطوة الأولى للخلاص من الذنب، فقد انطلقت المساعي الأميركية إلى إنشاء جيش أفغاني لائق في خطوة واعدة. تتدفق الاعترافات بالهفوات الماضية من فم ويليام كالدويل، جنرال بثلاث نجوم تقضي مهمته بإصلاح الجيش والشرطة معاً. يقول بصراحة: "أدركنا في نوفمبر أنه علينا إصلاح كل شيء، لأن الأمور لم تكن تسير مطلقاً بنجاح".

Ad

مصادفةً، تسلّم الجنرال كالدويل المهام في نوفمبر ممن سبقه من الجنرالات الذين تخصصوا في ترداد أن الأمور تجري وفق ما خُطط لها، لكنه صُدم حين اكتشف أنهم كانوا يصبون "اهتمامهم على الكم لا النوع". على حد قوله، تبلغ نسبة المدرّبين إلى التلامذة 1 إلى 8، وقد بلغت، عند إحدى القواعد، 1 إلى 466. ويضيف: "لم تُحدد معايير للتدريب... كانت العملية تستغرق ثمانية أسابيع فقط وينتهي الأمر". حتى إن بعض المتعهدين فشل في تعليم المجندين كيفية معايرة جهاز التصويب على أسلحتهم.

بعد مضي تسع سنوات على إطاحة نظام "طالبان"، لايزال التحالف بقيادة الولايات المتحدة يجد صعوبةً في تشكيل جيش من البقايا الرثّة لجماعات المجاهدين السابقة. وعندما تنجح في ذلك فحسب سيتمكن الجنود الأجانب من مغادرة البلاد من دون التسبب في انهيار الحكومة. في هذا السياق، يقول الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، إن القوات الأفغانية يجب أن تستعد لتسلم المهام بحلول عام 2014.

لكن لإنجاز هذه المهمة لابد من اجتياز درب طويل جداً. بحسب ما جاء في أحد التقارير الحكومية الذي صدر أخيراً، يستطيع 23 في المئة من الجنود الأفغان فقط العمل من دون إشراف. فخلال العمليات، لايزالون يعتمدون بشكل شبه تام على جنود منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذين يتكبدون خسائر في الأرواح أكثر بمرتين. وفي أحد الإخفاقات الأخيرة في إقليم لاغمان شرقي كابول، وقع 300 جندي أفغاني، يعملون بشكل مستقل عن "الناتو"، في كمين دبرته لهم حركة "طالبان"، فمنهم من قُتل ومنهم من قُبض عليهم.

لذلك خُصّصت موارد كثيرة اليوم للجيش، وتضاعف عدد المدربين الأجانب، الأمر الذي يحسّن نسب المدربين إلى التلامذة. هذا وارتفع أجر الجندي من 120 دولاراً أميركياً إلى 165 دولاراً في الشهر. في هذا السياق، تظهر إحدى الحملات الدعائية الوطنية جنوداً مدججين بأحزمة ذخيرة تفوق تلك التي قد يعتبرها سيلفستر ستالون في شخصية "رامبو" كافية. بنتيجة الأمر، تمضي عملية التجنيد قدماً نحو هدفها مع بلوغ عدد عناصر الجيش اليوم 134 ألفاً. ويُشار إلى أن الهدف يقضي ببلوغ 171600 جندي في أكتوبر من العام المقبل، الأمر الذي يتطلب نمواً إضافياً بقدر ذلك الذي تحقق في السنوات الخمس الماضية.

ويرى الجنرال كالدويل أنه من الأهمية بمكان تحسين نوعية الجيش وتركيبته، مشيراً إلى أن أقل من 3 في المئة في المئة من المجندين يأتون من الجنوب البشتوني المضطرب، الذي تستقي منه حركة "طالبان" معظم الدعم، وبالتالي فلن ينخرط كثيرون من تلك المنطقة في الجيش، خوفاً من التهديد الحكومي الوحشي الذي يتعرض له "العملاء" الحكوميون وأسرهم. بالنتيجة، على ضباط الشمال الذين يتحدثون اللغة الدرية (الفارسية) فحسب استخدام المترجمين عند وجودهم في الجنوب الناطق باللغة البشتونية. أما جنود المشاة الشماليون فيرفضون كلياً الذهاب إلى هناك، ويثير ذلك بالتالي مخاوف من حرب أهلية وشيكة بين الشمال والجنوب.

في المقابل، تجرب منظمة "الناتو" خطط إصلاح مختلفة. في هذا الإطار، روّج سايمون ليفي، وهو بريطاني أشرف حتى الآونة الأخيرة على تدريب الجيش، لما يدعوه مقاربة "الخلاط الإثني" التي تقضي بإنشاء وحدات تعكس التركيبة الإثنية للبلاد. كذلك يُفترض أن يُحفز "مسار دمج للمجاهدين" لمدة ثمانية أسابيع قادة المقاومة السابقين المعادين للسوفيات على الانضمام إلى صفوف الجيش. قد يساعد هؤلاء في معالجة مشكلة أخرى تتمثل في النقص في الموهبة المتوسطة لدى جيش يفتقر إلى ضباط الصف.

فضلاً عن ذلك، تحتاج بنية الجيش التحتية إلى التمويل، مثل جامعة الدفاع الأفغاني الشاسعة التي تُبنى اليوم على أطراف كابول. يعتقد جاك كيم، النائب المدني عن الجنرال كالدويل، أن إدارة الجيش والشرطة ستكلف، ما إن يصبحا بكامل قوّتهما، ستة مليارات دولار أميركي في السنة. يُذكَر أن تكلفة التدريب لهذا العام تبلغ 11 مليار دولار. وبما أن أفغانستان عاجزة عن تحمّل تكلفة ذلك، فيتعين على الدول الخارجية تسديد النفقات. وسيظل ذلك أبخس من دفع المال اللازم لنشر قوات أجنبية، إذ يكلّف دعم كل جندي أميركي في أفغانستان مليون دولار في العام.