أصبح من المألوف لدي مع كل موسم ربيعي أن أرى مناظر مشينة على جانبي طرقنا السريعة، تلك المناظر التي تخدش العين ليست مجونا أو عريا فاحشا، ولا مردها كذلك لمنظر الأسقف الهرمية البيضاء التي تزين الصحراء القاحلة، فمن نصب تلك الخيام بجوار تلك الطرق السريعة ذهب في حق مشروع للاستجمام بالهواء الطلق، ولكن ما أعنيه هو ما خلفه جزء كبير منهم، وكأن تلك الصحراء أصبحت مكباً للنفايات.
لطالما أشرنا بأصابع الاتهام إلى الهيئات السياحية والمرافق البلدية لتعليل هذه الظاهرة، وهم بحق شركاء في ضعف تلك الثقافة السياحية، لكننا تناسينا أننا الشريك الرئيس في تلك الضحالة الثقافية. فإنني أجزم حتى إن أوجدت جميع المرافق المسؤولة كل السبل المهمة للحفاظ على مقر سياحي محدد فإن البعض منا سيلوثه ويجعله ينطق قبحاً بعد أن كان يختال جمالاً.هذه المناظر التي دائماً ما أراها في سياحتنا الداخلية تزيدني ألماً عندما أرى شيئاً منها في سياحتنا الخارجية، فثقافتنا في الخارج ما هي إلا مرآة لثقافة أفراد مجتمعنا، والمجتمع الخارجي قاس في نظرته كبقية المجتمعات، لا يعمم الثقافات لشعوب معينة إلا بعد أن يشاهد بعينيه بعض التصرفات لأبناء تلك الشعوب، ولك أن تطير جواً إلى بعض الدول الأوروبية التي تولي مؤسساتها اهتماما بالمرافق السياحية، لن أسألكم عن ردود أفعالهم تجاه السائح العربي فالعذر السريع سيتطاير من ألسنة الكثير ملخصه عنصرية أجنبية تجاه كل ما هو عربي، ولكن أليس حريا بنا، ونحن نشاهد في بعض تلك الدول على سبيل المثال ورقة على باب دورة المياه تستجدي عدم رمي حفاظات الأطفال في المرحاض أن نتساءل: لماذا كتبت بلغة الضاد دون غيرها؟على الرغم من ذلك فإن الطامة الكبرى لا تقف عند ممارسة بعض «الراشدين» أو «المراهقين» لتلك الثقافات الخاطئة، بل في أن بعضهم أصبح يتفنن في تمريرها للآخرين، ولست أنسى النصائح التي كان يسديها صديقي المدخن لكل من لا يقوى على فراق «جراك الشيشة» في رحلة عمل لنا في الخارج، والتي نفضت بطاقته الائتمانية في إحدى المرات عندما وجد موظفو الفندق حفرة عميقة في سطح مغطس غرفته، فهو عندما نزع جهاز كاشف اللهب من دورة المياه وتناول بعدها مجفف الشعر ليجعل الفحم المشتعل جمراً لسع أصابعه شيء من الجمر مما أدى إلى سقوطها نتيجة ارتجاج يده محدثة في سطح حوض الاستحمام حفرة واضحة، وكلفته تلك الحماقة «التشييشية» ما يربو على ألف دولار، والأدهى من ذلك أنه مضى بعدها يمارس هواية نفث دخان الشيشة في بقية الفنادق التي أقمنا فيها! ومبرره الوحيد: «ادعي لي ربنا يفكني من هذا البلاء». وبحق إنه بلاء جسيم، لا يتمثل في نفث الدخان، إنما يتجلى في ضعف واضح في ثقافتنا السياحية! ويبقى الأمل منوطا بمن يحاولون الارتقاء بتلك الثقافة بتصرفاتهم المشرفة، رغم أن تصرفاتهم تلك لا تتطلب مجهوداً خارقاً، سوى أنهم يمتثلون للقاعدة الذهبية «اترك المكان خيراً مما كان».* مكة المكرمة - السعودية
مقالات
جراك شيشة بألف دولار
07-05-2011