قال لي وكأنه يريد أن يرصد أمراً ما... لقد تقلدت مناصب عدة في الدولة حتى وصلت إلى كرسي الوزارة، ومؤكد أن مجموعة من الناس والأصدقاء التفَّت حولك في تلك الفترة... وقدمت إليك الولاء وأظهرت لك الود والمحبة... وعاملتك بأخلاق الصديق الوفي المخلص... فهل ظل أولئك الأصدقاء على عهدهم أثناء جلوسك على الكرسي بعد أن تركته؟ أم أنهم مالوا عنك لما ملت عن المنصب وجفوا مجلسك وانقطعوا عنك؟

Ad

قلت... الناس معادن كما يقول السابقون... وأنا ومن حولي لسنا استثناء... فالصديق الصدوق ظل على حاله ولم يغيره النزول عن الكرسي أو الابتعاد عن المنصب، فلم تكن صداقته مبنية على منفعة أو مصلحة... وأما صديق الكرسي فقد ظل يحوم حوله ويدور معه حيثما دار...  ويسعى إلى مد جسور الود مع من يجلس عليه... فهو يعرف سحره، وقد جرب نفعه... "فطال عمرك" التي تعوّد تكرار قولها في مناسبة أو غير مناسبة هي للكرسي لا لصاحبه... "وتامر" و"تحت أمرك"... هي أيضاً للكرسي وليس لسامعها... وهكذا كل الكلام الجميل والطاعة المطلقة، وبذل الجهد والسعي بين الأيادي هي للساحر الوثير الذي تذل له الرقاب، وتخفق له القلوب ويجتمع حوله أصحاب الحاجات.

قال لي وهو يحاول أن يستخرج بعض مشاعري... آلمك تصرفهم؟

قلت... ليس كثيراً فهم والحمد لله قلة... يعدون على الأصابع... وقد عوضني الله عنهم بخير منهم وأكثر مما جعلني أعتقد أن الناس هنا بخير وأنهم مازالوا على نصيب كبير من حسن الخلق.

قاطعني... ماذا تود أن تقول لهم؟

قلت... وهل يسمع الصم الدعاء؟

* أتمنى لو أن وزير الأشغال والوكيل والوكلاء المساعدين نقلوا مكاتبهم إلى برج الحمراء أو أحد الأبراج القريبة ليتمتعوا بالرائحة التي تخرج من مجاري المنطقة لتزكم أنوف كل من سولت له نفسه المرور بشوارعها.