يؤكد الباحث في التراث صالح خالد المسباح أن شغفه بجمع الكتب والإصدارت جاء من باب الهواية، ليتحول اليوم إلى احتراف وتخصص، ويرى ان جمع الكتب في الكويت عمل فردي بحت غير  مدعم سواء من حكومة او افراد، متمنياً من الجهات المختصة الاهتمام بالمكتبات الخاصة ودعمها، خصوصاً انه بصدد عرض نصف مقتنياته للبيع نظراً الى ضيق المساحة في مكتبته الخاصة، التقته "الجريدة" واجرت معه هذا الحوار حول نشأة الطباعة والنشر في الكويت ومراحل تطورها.

Ad

يحتفظ المسباح في سرداب منزله بآلاف الكتب والمجلات المختلفة، بدأ شغفه بتجميع تلك الكتب من المرحلة الثانوية منذ عام 1974، فقد عشق القراءة والاطلاع وسماع المحاضرات، وفي عام 1975 بدأ بارتياد المعارض التي كانت تقام في الكويت آنذاك، من ضمن هذه المعارض معرض "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" الذي كان يقام في شهر سبتمبر من كل عام، مشيراً إلى أن المعرض بدأ صغيراً من مكتبات داخلية فقط ومن ثم بدأ بالانفتاح على منطقة الخليج إلى العالم العربي، وذلك بمشاركة مصر والسودان وسورية والعراق وغيرها من الدول، ومن هنا بدأ توسعه في القراءة والمطالعة إضافة إلى جمع الكتب والإصدارات لتنمو لديه هذه الهواية ويصبح اليوم باحثاً في التراث الكويتي إضافة إلى امتلاكه مكتبة تحوي عددا هائلا من الكتب والإصدارات النادرة.

دور التعليم

ولكونه عاصر تطور الثقافة محلياً وقرأ وبحث في الكثير عن تاريخ نشأتها وتطورها اشار المسباح الى أنه كان في أوجه في فترة العشرينيات، فقد اسس في ذلك الوقت النادي الأدبي وكان يترأسه الشيخ عبدالله الجابر الرئيس الفخري للنادي آنذاك، ومعه مجموعة من رجالات الدولة، معولاً بزوغ تلك النقلة الثقافية في البلاد إلى دور "المطوع" و"المطوعة" في تدريس الأبناء وحثهم على القراءة والمطالعة، اضافة إلى انفتاح الكويت على العالم الخارجي ايام الغوص والذي كان له الدور الأهم في تعزيز الثقافة لدى الآباء والأجداد، ليأتي بعد ذلك الاهتمام بالتعليم وذلك بتأسيس المدرسة المباركية التي كان لها دور بارز في رفع مستوى التعليم محلياً، ومن ثم انشاء ثانوية الشويخ في عام 1953 لتمنح بانشائها فرصة للطلبة لتحديد ميولهم الثقافية والأدبية من شعر وأدب وغيرها من العلوم.

أول مجلة كويتية

وعن تطور الطباعة والنشر محلياً تحدث المسباح عن صدور اول مجلة كويتية في عام 1928 وهي "مجلة الكويت" للمؤرخ عبد العزيز احمد الرشيد البداح والتي طبعت في القاهرة آنذاك بمساهمة من الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت في ذلك الوقت، إضافة إلى مساهمة تجار الكويت مادياً لتمويل المجلة، مشيراً إلى ان الرشيد كان هو من يقوم بالإشراف على اللغة والطباعة والتوزيع، وكانت المجلة توزع في ذلك الوقت على الحاكم وعلى تجار الكويت والمقاهي و"الدواوين"، لافتا إلى ان الاشتراك السنوي في الكويت والبحرين كان بمبلغ 9 روبيات، وتباع في السنة 10 اعداد ويحتوي كل عدد على 35 صفحة مكتوبة بخط اليد وكانت لا تحتوي على صور، وهي اول مجلة شهرية دينية ادبية تاريخية اخلاقية تصدر في الكويت، ومن ثم اصدر الرشيد مجلة "الكويت والعراقي" في عام 1931 وطبعت هذه المجلة في اندونيسيا وكان عدد صفحاتها 60 صفحة، وكانت تحتوي على كلمات إنكليزية إضافة إلى مجموعة من الصور، وسميت المجلة بهذا الاسم نسبةً إلى صديق الرشيد يونس بحري، وهو عراقي الجنسية وكانت تباع "بروبيتين" آنذاك، لتأتي بعدها مجلة "التوحيد" ويتوفى الرشيد في عام 1938، وبعد وفاة الرشيد، تحديداً في عام 1946 ابتعثت الكويت مجموعة من الطلبة إلى القاهرة وكان يترأسهم في ذلك الوقت وزير المعارف عبدالعزيز حسين التركيت ومن هناك قاموا بتأسيس مجلة سميت بـ"البعثة" واستمرت المجلة إلى الخمسينيات، كما اصدرت مجلة كاظمة وتأسست في عام 1948 على يد عبد الحميد الصانع وترأسها السيد أحمد السقاف وكانت مجلة علوم واجتماعيات بالاضافة الى قصص وشعر وكتب وكانت تطبع "كاظمة" في دائرة المعارف الكويتية وكانت تباع بـ12 آنه، مشيراً إلى انها كانت تحتوي على مجموعة من الصور والإعلانات، مؤكداً أنها نقلة نوعية في المطبوعات المحلية آنذاك نظراً لتطور الطباعة، تلتها مجلة "الفكاهة" لعبدالله بن خالد الحاتم و"البعث" لحمد الرجيب واحمد مشاري العدواني وكانت تحوي الأدب والفنون والشعر بحسب ما جاء به المسباح، ومن ثم اصدرت "مجلة الاتحاد" على يد عبدالله النيباري ومحمد مساعد صالح وكانت عبارة عن نشرة اجتماعية ادبية انتقادية، لتأتي بعدها مجلة

"الفجر" التابعة لنادي الخريجين، تلتها مجلة "الإيمان" وقد اسسها النادي الثقافي القومي وهم د. احمد الخطيب وعبدالله النيباري ويوسف الغانم وعبدالرزاق البصير وعبدالله حسين الرومي، ومن ثم صدرت الجريدة الرسمية "الكويت اليوم"، لتأتي بعدها مجلة العربي باقتراح من بدر خالد البدر والذي كان يشغل وظيفة سكرتير المعارف في ذلك الحين، في أواخر عام 1958. 

مصادر الكتب قديماً

كانت الكتب تجلب من مصادر مختلفة، منها الهند والتي كانت تشتهر آنذاك بالمطابع العربية في "بومباي" ومن الجدير ذكره ان الشاعر عبدالله الفرج طبع ديوانه "الأرج في ديوان الفرج" هناك، وذلك في عام 1919، وكذلك الشاعر عبدالجليل الطبطبائي، كما هو الحال مع جمهورية مصر العربية والتي عملت على الطباعة منذ ما يقارب الـ200 عام، اضافة إلى مطابع  العراق، وأول من طبع فيها عبدالعزيز الرشيد صاحب اول مجلة كويتية "مجلة الكويت" وقد طبع اول اصدار له وهو "تحذير المسلمين عن اتباع سبيل المؤمنين" وذلك في عام 1910 ومن بعده طبع الشيخ يوسف بن عيسى القناعي "ملتقطات" و"صفحات من تاريخ الكويت" و"المذكرة الفقهية" في العشرينيات.

مطبعة الحكومة

تفيد بعض الكتابات عن تاريخ دولة الكويت بأنه جرت عدة محاولات سابقة لإنشاء مطبعة حكومية، أشهرها محاولتان في عهد الراحل الكبير الشيخ أحمد الجابر الصباح، أولاهما كانت في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، والأخرى في منتصف الأربعينيات، غير أن هاتين المحاولتين لم يكتب لهما النجاح والاستمرار.

ويذكر المؤرخ عبدالله بن خالد الحاتم في كتابة: "من هنا بدأت الكويت" تحت عنوان "أول مطبعة":

في سنة 1947م، رأت ادارة المعارف خلو الكويت من المطابع في الوقت الذي يجب ان يكون فيها ولو مطبعة واحدة على الأقل فقررت شراء المطبعة. وفي نفس السنة وصلت معداتها ونصبت المطبعة وأُحضر لها كل ما يلزم من الورق بمختلف أنواعه، ولكنه ظهر للمسؤولين في ما بعد عدم قدرتها على تلبية كل حاجات المعارف لصغر حجمها وكثرة تعثرها. ففي سنة 1948 تقرر بيعها وترك امر شراء مطبعة أخرى اكثر تماشياً وتلبية للظروف والمناسبات فاشتراها أحمد هاشم الغربللي بخمسة عشر ألف روبية، واستمرت هذه المطبعة تحمل نفس الاسم القديم.

والجدير ذكره هنا أن الأعداد الأولى من الجريدة الرسمية عام 1954م طبعت في هذه المطبعة الخاصة. وفي بداية الخمسينيات ومع تدفق الخير من هذه الأرض الطيبة بدأت حركة العمران في عهد مؤسس الكويت الحديثة الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح. كانت الحاجة والضرورة هما الدافع في البحث عن وسيلة اعلامية كهمزة وصل بين اللجنة التنفيذية العليا التي كانت بمنزلة حكومة الكويت في ذلك الوقت، وبين المواطنين ورجال الاعمال والمقاولين الذين راحوا يتدفقون على الادارات الحكومية للاطلاع على المشاريع والخطط الجاري تنفيذها. بدأت رحلة الريادة والإبداع مع اقتراح بدر خالد البدر السكرتير في دائرة المعارف بإصدار جريدة رسمية تنشر القرارات الرسمية والإعلان عن المناقصات، وقد رفعه في كتاب موجه إلى رئيس الدائرة المالية خالد المسلم، وكان ذلك بتاريخ 12 سبتمبر عام 1954م. وجاء الرد سريعاً في اجتماع اللجنة التنفيذية العليا الذي عُقِد بتاريخ 13 سبتمبر 1954م بالموافقة على الاقتراح والشكر والثناء على مقدمه. ومع بداية صدور الجريدة الرسمية بدت الحاجة الملحة إلى إنشاء مطبعة تؤمن إنتاج الجريدة الرسمية وسائر احتياجات الادارات الحكومية من مطبوعات، إذ كان يتم إرسال العديد منها في هذا الوقت إلى لبنان والعراق. عرض الأمر على اللجنة التنفيذية العليا وجاء الرد بالإيجاب. في عام 1955م، بدأ العمل وكانت النواة شراء مجموعة صناديق من الأحرف النحاسية لصف الأحرف وجمع الصفحات، ثم إرسالها إلى المطبعة الخاصة لطباعتها، كان ذلك في شقة مجاورة لمكاتب الجريدة الرسمية في الشارع الجديد فوق البنك الوطني.