في إحدى العواصم الأوروبية تابعت امرأة كانت تمسك مكنستها وتسير ملتقطة الأوراق وغيرها من الفضلات من أحد الشوارع، وكانت ترتدي زياً فسفورياً أنيقاً، أحلف أنها تفوق في نظافة شعرها الكثير حتى أنه كان مصبوغاً ومنسقاً، وتمشى بكل ثقة، فتبدو كأنها شرطي مرور وليست، كما نطلق عليها نحن في بلادنا، «زبّالة»!

Ad

لا أعلم لماذا قفز في ذهني في تلك اللحظة مشهد عمال النظافة في الكويت ومنظرهم التعيس، وهم يترامون من كومة إلى أخرى في الشوارع، بنظرات زائغة، وأجساد بالية تقتلهم طبيعة الجو عندنا من غبار إلى حر شديد، ومع ذلك تتم المماطلة في إعطائهم أجورهم، وهي زهيدة على أي حال.

عندما نظرت إلى كبرياء هذه المرأة الأوروبية أشعرتني أن الزبال هو أهم إنسان في العالم، وبالفعل نحن لا نستطيع أن نعيش بدونهم فكيف ستكون حياتنا لولا وجودهم؟

فعلى الرغم من أنهم يبدون مثل كومة قمامة متحركة تتبعها الحشرات فإننا مع ذلك لا نرحمهم، ونطلب منهم أكثر، فكيف لهم أن يعطونا أكثر، وهم حرموا من أبسط حقوقهم؟ حرموا حق السكن الصحي، وحق التنفس في مساحة واسعة دون وجود أنفاس وأجساد في كل مكان من حولهم.

كيف لهم ألا ينتحروا أو حتى لا يسرقوا وتلك الشركات التي أحضرتهم لم ترحم إنسانتيهم! لقد كدستهم مثل أكياس «البطاطس» في مخزن، واستغلتهم أبشع استغلال، وهذا نوع من الاتجار بالبشر، نعيشه ونراه في دولة تطالب وتقيم الندوات التي تتحدث عن حقوق الإنسان، وتسعى إلى إيقاف الاتجار بالبشر، لكنه يحدث كل يوم على مرأى من أعيننا؟

عندما يُسلب الإنسان كرامته، فاعلم أنك سلبته واحداً من أهم حقوقه، فإنسان بلا كرامة ليس سوى شخص عار يشعر بالخجل من هذا العري ولا يملك الكسوة التي تغطيه.

فنحن إن كنا لا نستطيع أن نعيد لهم كرامتهم، فإننا نستطيع أن نساعدهم على أن نغطي أجسادهم ونحافظ على ما تبقى من كرامتهم، يجب ألا نمارس دور المتفرج، فأي مساعدة يمكن أن تكون سبباً في إسعاد هؤلاء الأشخاص حتى نستطيع أن نرد لهم جزءاً من إنسانيتهم.

فهم تعلموا أن هذا البلد ليس سوى مدينة امتصت طاقتهم، وجعلت منهم أجهزة لا تتوقف عن العمل، لذلك باستطاعتنا أن ننقذهم بزكاة أو صدقة أو حتى كسوة تحميهم من قسوة الجو.

«قفلة»:

يطالب أغلب المرشحين لمجلس الأمة بالكثير من الأمور الرائعة، مثل المطالبة بحقوق الإنسان للفئات المسحوقة والمرأة المظلومة والمعاقين، ولكن كل ما نراه في أرض الواقع مجموعة قرارات وقوانين صدرت لتذر الرماد في العيون دون أي تطبيق مع كل أسف!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة