مجتمع جديد فن جديد

نشر في 15-03-2011
آخر تحديث 15-03-2011 | 00:00
 طالب الرفاعي مؤكد أن الساحتين التونسية والمصرية مازالتا مشتعلتين بأحداثهما، ومؤكد أن موجات «التسونامي» التي هزت المجتمعين، مازالت فاعلة ومتفاعلة، لكن بالنظر إلى أن التغيير شأن يلازم الحياة في صيرورة بقائها وميلادها المتجدد عبر التبدل، فإن العنوان العريض للتغيير كان على الدوام هو البحث عن مزيد من ظروف الحياة والكرامة الإنسانية.

لقد ظلت الثورات الإنسانية الكبيرة في جوهرها فعل تغيير، ليس على مستوى صوتها الأعلى وصورها الأوضح لحظة ميلادها، بل على مستوى الوعي الجديد والمختلف الذي تبشر وتأتي به، فكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، ويمس، بدرجة أو بأخرى، عموم طبقات المجتمع.

كلا الثورتين التونسية والمصرية، تبشران بميلاد فكر وحياة جديدين، ومن خلال رصد حركة ما يجري على أرض الواقع في القاهرة وتونس، مع حفظ الفوارق الخاصة بكل مجتمع، فإن حالة فكرية ثقافية فنية إنسانية جديدة بدأت التشكل هناك، آخذة بفرز وتأكيد وجودها المتشكل يوماً تلو الآخر.

إن أحداث تونس ومصر، وضعت المبدع والمثقف والفنان العربي، أمام منعطف فكري وثقافي عربي جديد. وهذا المنعطف يومئ إلى حياة إبداعية ثقافية جديدة قادمة، بمفردة جديدة، ولغة جديدة، ورؤى جديدة، ورموز جديدة. فكما أفرزت هزيمة عام 1967، لغة وإبداعاً ومبدعاً عربياً بملامح ناجزة، فإن ثورتي تونس والقاهرة ستأتيان بالضرورة بإبداعهما ومبدعيهما، مثلما ستأتيان بأحلامهما العريضة.

لقد عششت حالة من التشاؤم واليأس والخيبة الموجعة في صدور الكثير من المبدعين والمثقفين والجمهور العربي، حيال الأوضاع العربية خلال العقود الماضية، لكن تفجر التسونامي الشبابي العربي، بلغة ومسلك ووعي وأهداف إنسانية عصرية، قلب المعادلة رأساً على عقب، وأوجد حالة من التفاؤل الزاهي بقدرة الشباب العرب والشعوب العربية على ولادة نفسها، مثلما فتّح عيون قادة وشعوب العالم على صورة جديدة للشباب العرب والمواطن العربي، وتالياً الوطن العربي.

الفن، وفي كل تجلياته، هو واقع مجاور للواقع الإنساني، يستلهم حالة وأحداث الواقع ويعيد فرزهما بشكل ثانٍ، لذا فإن استلهام أحداث الوضع العربي الراهن سيؤدي إلى ولادة فكر ووعي جديدين، على مستوى مختلف الأجناس الإبداعية، قصة، ورواية، ومسرحاً وشعراً ولوحة وسينما وإعلاماً. وهذا بدوره سيؤدي إلى ولادة مبدعين جدد، يقدمون أعمالاً بنكهة وطعم مختلفين. وهذه الأعمال تتطلب بدورها وعياً جديداً لقراءتها والخوض في عوالمها ومن ثم نقد مضامينها واطروحاتها. وهذا مجتمعاً، سيخلق حالة إبداعية فكرية ثقافية اجتماعية عربية مغايرة وجديدة، تتجاوز الأشكال والصيغ والأسماء القديمة، لتقدم فناً يواكبها، وفناناً يؤمن بها ويعبر عنها، وناقداً يجاري إبداعها ويضيف إليه.

الشعوب العربية والوطن العربي أمام منعطف تاريخي جديد، منعطف يحمل الكثير من الأمل بحياة عربية حرة وكريمة وديمقراطية. حياة عصرية تضع المواطن العربي في المكانة التاريخية التي يستحقها، بوصفه صانعاً مشاركاً للحضارة الإنسانية وليس متطفلاً عليها.

back to top