رغم التسلسل التاريخي من الصراع استقر ملف البدون على جادة الحل، ولم تعد الأعذار والتبريرات تسعف مناهضي حقوق البدون، وبقي جيب واحد من جيوب هذه المقاومة، يتمثل في تخويف الكويتيين من أن البدون في الكويت هم بقايا البعث، ولكن هذه الفزاعة لن تصمد كغيرها لأنها جاءت في الوقت الضائع!

Ad

بعد معاناة استمرت على مدى نصف قرن من الزمان وبسجل حافل بالمآسي والآلام وتشويه سمعة الكويت في الداخل والخارج، بدأت ملامح الانفراج تبدو في الأفق لمعالجة ملف البدون، وعلى الأقل في جانبه الإنساني.

ولكن هناك من يصر على استمرار وضع العصا في عجلة هذا الحل بغرض تعطيل حتى المخارج التي اتفقت عليها الحكومة والمجلس، وهذه المرة من خلال شماعة التخويف والترهيب وتهديد الأمن الوطني، بعدما فشلت كل الذرائع السابقة.

فمع بداية المطالبات لإقرار الحقوق الإنسانية للبدون قبل عشر سنوات، وتحديداً توفير فرص التعليم للأطفال ثم العلاج وبعدها حق العمل حاول البعض تخويف المواطنين بأن إدخال هذه الشريحة في منظومة الخدمات العامة سوف يهدد ميزانية الدولة، ويزاحم الكويتيين في حقوقهم، ويرهق كاهل الدولة بأعباء إضافية، ولكنهم اليوم يتباهون بأن توفير هذه الخدمات ينسجم مع سمعة الكويت في احترام حقوق الإنسان ويترجم تعاليم ديننا الإسلامي وتقاليدنا الوطنية!

ومن ناحية أخرى كان التضليل الإعلامي الحكومي ومن في ركبه يحاول أن يقنع الرأي العام الكويتي بأن البدون يتمتعون بالفعل بكل الحقوق التي يطالبون بها إلى أن جاءت التصريحات الأخيرة الرسمية لتثبت عكس ذلك تماماً.

ثم كانت ذريعة القيود الأمنية التي خلطت الحابل بالنابل، واستخدمت كشماعة للضغط النفسي والإعدام المدني ليس للمتهمين بها، بل لجر أبنائهم معهم وإخوانهم وعمومتهم وحتى جيرانهم وأصدقائهم، حتى سقط هذا القناع أيضاً، وباعتراف الجهات الأمنية ذاتها باعتبار أن الأغلبية العظمى من الاتهامات والقيود الأمنية إما أنها كيدية وبفعل فاعل، وإما أنها فاقدة للأدلة والأسانيد.

وأخيراً كان الرهان على الوقت وموت قضية البدون مع الزمن، فخسر ذلك الرهان، خصوصاً بعد ولادة معالم الشرق الأوسط الجديد والصحوة الشعبية في عموم الوطن العربي، والمناداة بالمطالب وبالصوت العالي وعلى المكشوف من خلال مظاهرات واحتجاجات لم تعد ترهبها المحاصرة الأمنية, ولا حتى الضرب والاعتقال.

ورغم هذا التسلسل التاريخي من الصراع استقر ملف البدون على جادة الحل، ولم تعد الأعذار والتبريرات تسعف مناهضي حقوق البدون، وبقي جيب واحد من جيوب هذه المقاومة، يتمثل في تخويف الكويتيين من أن البدون في الكويت هم بقايا البعث، ولكن هذه الفزاعة لن تصمد كغيرها لأنها جاءت في الوقت الضائع!

ولكن التكتيك الأخير الذي قد يربك شروع حل الجوانب الإنسانية في هذا الملف يكمن في تحويله إلى لعبة القرار أو القانون، فبالقرار وحده قد تبقى نافذة الضغط والعرقلة مفتوحة لمزيد من التعطيل والتسويف وعودة عقلية المزاجية والاجتهادات الشخصية، إضافة إلى الاستبسال من أجل إلغائه بالكامل على حين غرة من خلال التأثير في الحكومة.

ولهذا فإن مناصري إخواننا البدون من نواب وجمعيات نفع عام ونشطاء وأصحاب الشأن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالإصرار على إقرار هذه الحقوق المدنية والإنسانية بقانون يكون ملزماً، ويحقق الاستقرار التشريعي، ويخفف على الجهاز المركزي الخوض في تفاصيل يومية، وحتى لا يتحول إلى لجنة مركزية أخرى ويضاف إلى أرشيف «لا طبنا ولا غدا الشر»!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة