نصرالله لم يأتِ بجديد معلوماتي واستناده إلى أفلام إسرائيلية سيف ذو حدين
في رأي قيادات من قوى 14 آذار، فإن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لم يكن موفقاً في مؤتمره الصحافي أمس الأول، مقارنة بما سبق للمحيطين به أن وعدوا به من "مفاجآت" و"وثائق" و"إثباتات" بشأن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.وينطلق هؤلاء من قول نصرالله نفسه خلال مؤتمره الصحافي، ولأكثر من مرة، إن ما قدمه لا يرقى إلى مستوى الدليل القاطع والإثبات، وإنما هو مجموعة من المعطيات التي تفرض على المدعي العام الدولي توسيع دائرة الفرضيات التي يعتمدها في التحقيقات التي يجريها.
ويورد القريبون من قيادات 14 آذار مجموعة من الملاحظات وعلامات الاستفهام بشأن ما عرضه نصرالله في مؤتمره الصحافي على الشكل الآتي:أولاً: في موضوع طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية1- لم يأتِ نصرالله بجديد معلوماتي في مسألة استطلاع إسرائيل للأراضي اللبنانية، فهذه المسألة معروفة منذ عشرات السنوات، والقاصي والداني يعرف أن الطائرات الإسرائيلية تقوم دورياً بعملية مسح لكل زاوية من الأراضي اللبنانية من دون استثناء، وهو الذي مكّن الطيران الإسرائيلي في حرب عام 2006 من تدمير الجسور والطرقات وتقطيع أوصال لبنان من أقصى عكار شمالاً إلى الحدود الجنوبية، ومن الحدود الشرقية مع سورية حتى جسور المعاملتين. ثم إن وزارة الدفاع اللبنانية تسجل منذ عشرات السنوات، ولاتزال آلاف الطلعات الجوية الاستكشافية فوق كل المناطق اللبنانية من دون استثناء. والمسؤولون الإسرائيليون أعلنوا في أكثر من مناسبة أنهم في أي مواجهة مقبلة سيستهدفون المقرات الرسمية للدولة اللبنانية من أبنية حكومية ورئاسية ومبان حيوية.2- إن "الإنجاز" الوحيد الذي يمكن الحديث عنه في ضوء مؤتمر نصرالله هو "الخرق التقني" الذي نجح حزب الله في تحقيقه بالتقاط إشارات البث التصويري الصادرة عن طائرات "أم كا"، لكن مضمون الأفلام التي عرضت لم يتضمن ما يمكن اعتباره دليلاً على أنه جزء من عملية التحضير لاغتيال الرئيس الحريري خصوصا أن نصرالله نفسه أشار إلى أن إسرائيل بعد عملية أنصارية في ليل 4-5 أيلول 1997 عمدت إلى تشفير بث طائرات "أم كا"، مما يعني أن بعض الصور التي عرضها ربما عادت إلى ما قبل الاغتيال بثماني سنوات تقريباً، بدليل أنها تشير الى المنزل القديم لشقيق رئيس الحكومة شفيق الحريري في صيدا، وهو المنزل الذي انتقل منه إلى منزله الجديد في مجدليون عام 2003، وإلى المقر الحالي للسفارة السعودية في لبنان الذي كان يستخدمه الرئيس رفيق الحريري قبل انتقاله الى منزله الجديد في قريطم. أما في حال كانت الأفلام جديدة فإن عدم تشفيرها من قبل إسرائيل يعني أنها غير مصنفة في خانة "السرية" أو "الدقيقة"، مما يفقدها طابع الحساسية التي يفترض أن ترافق عمليات كبيرة كعملية اغتيال الحريري. 3- لفت بعض التقارير الصحافية في بيروت بعيد المؤتمر الصحافي لنصرالله إلى أن الصور التي عرضها الأمين العام لحزب الله لم تتضمن أي إشارة الى أن مصدرها إسرائيلي، وهو ما دفع كاتب هذه التقارير إلى التذكير بأن حزب الله نفسه يملك طائرات استطلاع يطلق عليها اسم "مرصاد – 1"، مشابهة لطائرات "أم كا" الإسرائيلية، وقد سبق له أن أعلن استخدامها في طلعات فوق نهاريا في شمال إسرائيل في 7 شباط 2004.4- يتساءل بعض من تابع المؤتمر الصحافي لنصرالله عما يمكن أن يكون عليه موقف حزب الله إذا استندت المحكمة الدولية إلى أفلام صورتها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وهي تتضمن معطيات تصب في خانة معاكسة تماماً لما أراد نصرالله إثباته. ذلك أن نصرالله الذي اعتبر أفلام الطائرات الإسرائيلية وثائق ذات مصداقية لا يمكنه أن ينفي مصداقية أفلام مماثلة تشير الى مضمون مختلف. ثانياً: في موضوع الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية يوم عملية الاغتياللم يظهر نصرالله أي وثائق تثبت وجود طائرات الاستطلاع، أو طائرات الأواكس، أو غيرها من أصناف الطائرات الإسرائيلية في أجواء مسرح الجريمة يوم حصولها في 14 فبراير 2005، لكنه اكتفى بتلاوة معلومات عن هذا الموضوع، علما أن أجهزة الرادار السورية كانت لا تزال منصوبة في أعالي جبال لبنان كما في ضهر البيدر وغيرها، وبالتالي كان من البديهي لهذه الأجهزة أن تسجل وجود مثل هذه الطائرات، وأن تبلغ القيادة السورية لجنة التحقيق الدولية ذلك عندما كانت دمشق في دائرة الاتهام، وعندما استجوب كبار ضباطها في سورية وفي فيينا. ثم إن وجود هذه الطائرات في الأجواء اللبنانية يفرض في ظل التنسيق الاستراتيجي القائم بين حزب الله وسورية أن تزود دمشق السيد نصرالله بالوثائق التي تثبت رصد أجهزة راداراتها لهذه الطائرات بحسب ما أعلنه الأمين العام لحزب الله.ثالثاً: في المقارنة بين عمليات الاغتيال انطلاقاً من أدوار العملاءلفت الأمين العام لحزب الله إلى أن عدداً من العملاء المعتقلين اعترفوا بأدوار تنفيذية لهم في جرائم اغتيال نفذتها إسرائيل على الأراضي اللبنانية، مشيرا الى أنه يملك معلومات عن أن متهماً بالعمالة لإسرائيل يدعى غسان الجد سبق أن لعب دوراً في اغتيال أحد مسؤولي حزب الله غالب عوالي في الضاحية الجنوبية عام 2004، كان موجوداً قبل يوم من اغتيال الحريري في ساحة الجريمة في منطقة السان جورج. واللافت أن نصرالله لم يشر الى أن الجد هو عميد سابق في الجيش اللبناني، وإنما اكتفى بالقول إن دوره اكتشف عام 2006، وقد أبلغ حزب الله أحد الأجهزة الأمنية بما لديه بشأنه منذ ذلك التاريخ، لكن الجد بقي حراً طليقاً الى أن غادر لبنان عام 2009، وهو ما يؤشر الى أن الجهاز الأمني الرسمي لم يعتبر ما تسلمه من حزب الله كافياً لتوقيف الجد أو اعتقاله. ومع أن نصرالله لم يشر بالاسم الى الجهاز الأمني الذي سلمه المعلومات عن الجد، فإن وقائع التوتر في العلاقة بين الحزب وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، خصوصاً عام 2006، تشير ضمناً الى أن الشعبة المذكورة لم تكن هي الجهة التي تسلمت المعلومات من حزب الله، وبالتالي فإنه لا يمكن لحزب الله اعتبار عدم اعتقال الجد بمنزلة تواطؤ من فريق الأكثرية ضده، بما يبقي التحقيق في جريمة اغتيال الحريري في دائرة الاتهام السياسي لسورية وحلفائها.