تقويم العظام... ملك العلاجات الوقائيَّة
أخيراً أصبحت مهنة تقويم العظام قانونية في فرنسا، لكن ما هو تقويم العظام وما هي مجالات تأثيره؟يهدف علاح تقويم العظام إلى تفادي الألم. يستمع الاختصاصي إلى الجسد عن طريق اللمس ثم يسعى إلى «فتح» المناطق المصابة بخلل. ويساعد هذا النوع من العلاج في تجنب أمراض كثيرة مستقبلاً كما يساهم في تسهيل مرور السوائل في الجسم من دون عوائق، أكان هذا السائل هو الدم أو حتى اليمفا.
لا بد من زيارة طبيب تقويم العظام بانتظام، على الأقل مرةً سنوياً، حتى لو لم نكن نعاني أي ألمٍ محدد كالقطان (ألم في أسفل الظهر) أو من ألم في العنق. ولا يستخدم طبيب تقويم العظام سوى يديه في معالجة المرضى بعكس الوخز بالإبر أو المعالجة المثلية، علماً أن وسائل العلاج هذه تُستخدم غالباً بموازاة بعضها البعض. هذا العلاج دقيقٌ جداً، وهو يساعد في اكتشاف صدمات قديمة أو جديدة أصيب بها المريض من دون أن ينتبه لها وقد تخفي أثاراً جانبية.نمرّ بفتراتٍ نشعر فيها أنّ جسدنا يعاني خللاً في التوازن لأسباب كثيرة، منها: صدمة جسدية، حادث ما، جهد جسدي مكثف أو متكرر، توتر، أعراض مرضٍ، أو أساليب صحية خاطئة. وتؤدي هذه العوامل كافة إلى الحدّ من حركة الجسم خارجياً وحتى داخلياً.وجميعنا يعرف أن ردة فعل الجسد حين يواجه مشكلةً ما تكون عن الطريق التعويض. وقد يكون ذلك موقتاً كما في حالة كسرٍ، فنجد أنّ جزءاً من جسدنا يعمل أكثر من غيره، أو شبه دائم في حال وجود وزنٍ زائد مثلاً. وما إن يلتحم الكسر، حتى نستعيد وضعية جسدنا الأساسية وتوازننا من دون أن أي استشارة.جذوريعود أصل كلمة osteopathie أو تقويم العظام إلى اليونانية وتعني استخدام العظام لمعالجة الألام. أمّا الفضل في اكتشاف التفاعل بين الجهازين العضلي والعظمي وباقي أجهزة الجسم العضوية فيعود إلى الطبيب والجراح الأميركي أندرو ستيل في أواخر القرن التاسع عشر، إذ اعتبر أنّ البنية الجسدية هي التي تدير وظائف الجسد كلها. أي أن أعضاء الجسم مرتبطة ببعضها وأي خللٍ وظيفي في عضو ما له تداعياته على أجزاء أخرى من الجسد. وهذا الأسلوب في النظر إلى الجسد مطبق في كثير من أنواع الطب، لا سيما الصيني.أوضح ستيل: «قاعدة الشريان ذات أهمية بالغة»، فعلى الخلايا التخلص من المواد غير المرغوبة بها، وللتوصل إلى ذلك يجب أن تتمكن السوائل في جسدنا من المرور بحرية في الأنسجة كي تؤمن تجدد الأخيرة. كذلك يجب مراقبة الجهاز العصبي المتصل بالعمود الفقري. إذاً في حال حرصنا على حسن تنظيم هذه الأجهزة المختلفة نكون قد وصلنا إلى حالة توازنٍ مثالية، ما يسمح لأجهزتنا الدفاعية الطبيعية بالعمل بشكلٍ أفضل.نشأ هذا الاختصاص وتطور في الولايات المتحدة الأميركيّة (حيث يوجد ما يقارب 40000 طبيب)، ثم انتقل إلى المملكة المتحدة مع إنشاء أول مدرسة أوروبية عام 1918، وهي المدرسة البريطانية لتقويم العظام. أماّ فرنسا فلم تنتبه إلى أهمية هذا المجال إلا بعد أعوامٍ كثيرة حين أنشأ طبيب تقويم العظام بول جني (تلقى دروسه في بريطانيا) المدرسة الفرنسية لتقويم العظام.وضع المهنةتقويم العظام بحسب التصنيف الأوروبي طب غير تقليدي. إذ عانى أطباء تقويم العظام لفترةٍ طويلة لتعترف السلطات بشهاداتهم التي كان معظمهم يحصل عليها من المملكة المتحدة أو من سويسرا. وعلى رغم أنهم كانوا دائماً يخشون أن يتعرضوا لملاحقة قانونية بسبب ممارسة الطب بطريقةٍ غير شرعية، فإنّ حوالى 20 في المائة من الفرنسيين كانوا يترددون بانتظام إلى عياداتهم.أماّ الولايات المتحدة فأقرت بوجود هذا النوع من الطب عام 1973، واعتبرت حينها من يمارسه طبيباً كغيره من الأطباء وتبعتها المملكة المتحدة عام 1993، وفي فرنسا أصبحت ممارسة تقويم العظام شرعية منذ عام 2002. وفي ألمانيا والنمسا وبلجيكا والدنمارك وإسبانيا واليونان وإيطاليا لا تزال ممارسة هذه المهنة غير منظمة على رغم اعترافهم جميعهم بشرعيتها.التقنيةيعالج طبيب تقويم العظام المريض يدوياً عند مستوى العضلات والهيكل العظمي، طالما لا يعاني التهاباً أو ورماً أو عدوى. والهدف من العلاج إعادة التوازن إلى الهيكل العظمي كي تتمكن السوائل كافة من المرور من دون أي عوائق.تبدأ الاستشارة بمقابلة، يطرح خلالها الطبيب أسئلةً حول الهدف من الزيارة وصحة المريض عموماً وأسلوب حياته، ساعياً إلى معرفة بعض المعلومات عن مستوى الكولستيرول مثلاً لدى المريض أو السكري أو الحمية الغذائية. يعتبر طبيب تقويم العظام أنّ الجسد يستطيع أن يجدد نفسه بنفسه حين يكون في وضعيةٍ جيدة وعندما يُعاد التوازن إلى الأجزاء المسدودة فيه.نَنصح المريض أن يحضر معه صوراً شعاعية للهيكل العظمي، إن كانت متوافرة لديه، للإشارة إلى نقاط الضعف: كسور قديمة، التواءات أو غيرها.ثم يجري الطبيب اختباراتٍ بسيطة للتحقق من المرونة ويتم التشخيص على الأجزاء المسدودة عبر تقنية اللمس. حينها يستطيع أن يَخلُص إلى نتائج حول حركة الجسد وأن يصحح الاختلالات الوظيفية فيه.أحياناً، تكفي جلسةً واحدة، لكن قد يتطلب الأمر في معظم الحالات أكثر من جلسة، لا سيما إذا كان المريض يستشير طبيب تقويم العظام للمرة الأولى أو إذا مرّ وقت طويل على آخر استشارة.وتختلف طرق العلاج وفقاً للأسلوب الذي يعتمده كل طبيب. قد يكون بعضهم أكثر حيويةً من البعض الآخر فيلجأ إلى «طقطقة» بعض العظام أو قد يتبع آخرون أساليباً ناعمة في حال مثلاً كان المريض طفلاً مصاباً بتشوه في الجمجمة إثر الولادة.إذاً، يختلف العلاج باختلاف المشكلة التي يعانيها المريض، فقد يكون أحياناً بطيئاً وأحياناً سريعاً. ويتحدث الاختصاصيون عن تقنيات ذات سرعة عالية وعلى نطاقٍ ضيق وأخرى ذات سرعة خفيفة وعلى نطاقٍ واسع، إضافة إلى تقنيات عن طريق الارتجاج ووضع الأنسجة تحت تأثير ضغطٍ مرتفع...آثار لا يمكن لمن يحمل لقب طبيب تقويم العظام أن يدعي أنّ بإمكانه شفاء عدوى أو داء تنكسي أو مرض وراثي. ويعتبر هذا النوع من الطب ضروري لأن الاختلالات في التوازن لا تُصحَح غالباً مع الوقت. ويمكن أن تُرافَِق هذا العلاج أنواع علاجاتٍ أخرى. ويُعتبر أيضاً هذا النوع من العلاج مصدر ارتياحٍ للمريض حتى وإن شعر بألمٍ فجائي. من ناحيةٍ أخرى، يساعد إعادة التوازن إلى الهيكل العظمي في تجنب مشاكل قد تكون خطيرة على المدى الطويل.فبفضله يمكن التخفيف من أوجاع تمزقٍ أقراص العمود الفقري بشكلٍ كبير، وبالتالي تفادي الجراحة على المدى الطويل.ويقدم الطبيب للمريض نصائح عملية ومهمة في آن، كاعتماد وضعيات سليمة ونوعية حياةٍ أفضل وتجنب حمل حقيبة يد ثقيلة على جانبٍ واحدٍ، تفادي الكعب العالي طوال اليوم، تفادي وضع رجلٍ على أخرى لا سيما في حالة العمل المكتبي لساعات طويلة.في بعض الحالات، يشعر المريض بارتياح فوري حين يرتكز العلاج إلى فقرات محددة ليست في وضعيةٍ سليمةٍ وقد تسبب توتراً أو ألماً حاداً.وفي حالات أخرى، كإعادة التأهيل بعد التعرض لحادثٍ مثلاً، قد يلزم الأمر بعض الصبر. وبالطبع يحتاج المريض إلى جلستين أو أكثر في حال كان يشعر بالإضطراب أو بالتوتر لكي يتمكن الطبيب من تخفيف التوترالذي تراكم في الجسد مع الوقت.بعد الجلسة... بعد الاستشارة، من الطبيعي أن يشعر المريض ببعض التعب وببرودة خفيفة غير أنها ليست إلاّ أحاسيس موقتة. طب وقائيكان هدف الطب التقويمي منذ نشأته العمل عن طريق الوقاية. عبر استشارة الطبيب مرة سنوياً، يحرص المريض على تصحيح الطيات التي يتخذها الهيكل العظمي تماناً كزيارة طبيب الأسنان للتحقق من عدم وجود نخر في أسنانه وماشابه.إلاّ أنّ هذا الطب يعمل أيضاً كردة فعل على الألم. إثر ألمٍ في العنق أو في أسفل الظهر إلاّ أن طبيب تقويم العظام لا يستطيع أن بيدأ العلاج إلاّ بعد زوال الإلتهاب، لذا من البديهي أن يحرص المريض على أخذ العلاج المناسب لمعالحة الإلتهاب قبل أن يتوجع إلى عيادة طبيب التقويم.