سُلُطات أم سَلَطات
جاء إعلان استقالة رئيس محكمة الاستئناف عضو المجلس الأعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد دون أن يحظى بأي اهتمام، بل مرّ خبر الاستقالة بأهمية أقل مما ينبغي.أما أهمية الموضوع فهي مستحقة لأن السلطة القضائية هي السلطة الثالثة مع السُّلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولئن كانت الأخيرتان، وخصوصاً التنفيذية، قد مارستا إبداعات في الفشل وتردياً في الإنجاز فإنه من غير المقبول أن تؤدي المماحكات السياسية إلى جر السلطة القضائية إلى حلبة الصراع السياسي.المعلومات المتواترة تتجاوز حادثة استقالة المستشار المرشد، ولربما تسلط الضوء على إشكالية حادة تواجهها السلطة القضائية، والتي إن تُرِكت دون معالجة جادة، فإننا مقبلون على أزمة مدمرة، ستجعلنا نترحم على وضعنا البائس الذي نعيشه في السنوات الأخيرة. خلفية الموضوع تقول، إنه كان قد تم ترشيح المستشار المرشد لمنصب نائب رئيس محكمة التمييز في سنة 2010، حيث إن المستشار يوسف غنام الرشيد رئيس محكمة التمييز ستنتهي مدته في سبتمبر 2011، وحسب ما أفادت المصادر فإن التوصية بالتعيين كان من ضمنها أيضاً توصية بتعيين ثلاثة مستشارين في المحكمة الدستورية لاستكمال العدد الناقص فيها.إلا أن تلك التوصيات ظلت حبيسة الأدراج، وعندما تقدمت الحكومة للمحكمة الدستورية بطلبات تفسير عن مسؤولية سمو رئيس الوزراء عن بعض القضايا، جرى تحريك استكمال العدد الناقص من المحكمة الدستورية، وتم تجميد تعيين نائب رئيس محكمة التمييز، ورغم الوعود بإصلاح الخلل فإن ذلك لم يتم فجاءت الاستقالة.إن كان هذا التسلسل صحيحاً فنحن مقدمون على كارثة سياسية. ففي طيّات التفاصيل تدخلات معيبة من السلطة التنفيذية بشؤون السلطة القضائية، فالمسألة هنا أبعد بكثير من الأشخاص، أياً كانوا، ولكنها تطرح موضوعاً في غاية الخطورة، وهو درجة استقلالية السلطة القضائية، والتي بدونها فإن ما تبقى لنا من ضوابط حاكمة، على هشاشتها سيصبح هباءً تذروه الرياح.إن أحد أهم مرتكزات النظام الديمقراطي هو فصل السلطات، واستقلالها، وخصوصاً القضائية. ولعله بات واضحاً أن القضاء العادل المستقل هو الذي يضمن استقرار المجتمع وديمومته، وأي إخلال في ذلك الوضع يحيل تلك السُّلُطات «بضم السين» إلى سَلَطات «بفتح السين» والله المستعان.