إذاً لم يكن بن لادن مختبئاً في أحد كهوف تورا بورا، ولم يكن يقطع الوديان وأعالي الجبال الأفغانية، بل كان مقيماً في مبنى كبير ومجهز ليس ببعيد عن العاصمة الباكستانية، إسلام أباد.

Ad

لا شك أن الإخراج الهوليوودي لمقتل أسامة بن لادن، قد أضاع الكثير من التركيز على الآثار المتوقعة، والمعاني المتوخاة. ومن غير الملائم أصلاً الاحتفاء بقدرات الولايات المتحدة، وهي قد تأخرت في تنفيذ هدفها بكل ما لديها من إمكانات قرابة عشر سنوات. كما أنه من غير المفيد ترداد وتكرار معلومات غير معلومة إلا لمصدر واحد، يسرب منها ما يشاء ويخفي منها ما يشاء. وبالتالي فإن تفاصيل عملية مقتل بن لادن ذاتها ليست بذات أهمية فهي في أحسن الأحوال منقوصة، وفي أسوأ الأحوال مفبركة، ناهيك عن أن قيام الحكومات باستهداف أفراد بعينهم لقتلهم هو أمر يتعارض مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان، كذلك فإن التشكيك في موت أشخاص أو شخص له أهمية سياسية ما، هو أمر مكرر في هذا الزمن «التويتري» و«الفيسبوكي» و«الفوتوشوبي». وسيظل ذلك الأمر سؤالاً مفتوحاً لدى البعض لن تغلقه الأدلة ولا البراهين، فلنقبل إذاً بأن بن لادن مات، فمن غير المتوقع أن يخاطر الرئيس أوباما بمستقبله السياسي في موضوع حساس كهذا، وهو في غمرة التحضير لحملة الإعداد لانتخابه رئيساً لدورة ثانية، خاصة وأن خبر مقتل بن لادن هو بمنزلة جائزة سياسية كبرى لأوباما ستسهم في إنجاح حظوظه الانتخابية.

لعل أهمية مقتل بن لادن هي تزامنها، عن قصد أو عن غير قصد، مع الحراك الثوري الشعبي العربي. ولربما كانت المقولة التي ترددت ومفادها أن بن لادن قد مات مع نجاح الثورة التونسية هي مقولة صحيحة.

لم يكن بن لادن إلا أحد الطامحين إلى تغيير العالم العربي عن طريق استهداف الأنظمة الفاسدة العربية والممارسة للقمع وإهانة الإنسان، وكذلك استهداف الأنظمة الراعية لها، ولكنه سلك طريقاً مسدوداً، في حالة نجاحه لن يستبدل إلا فساداً بفساد السلطة، وإقصاء الآخر، وقمع الحريات، وتكبيل المرأة، وليس من نموذج إلا النموذج الطالباني، كما أنه استخدم العنف والقتل حتى ضد المدنيين الغافلين حتى المسلمين منهم.

لا شك أن حالة الانسداد السياسي، والهيمنة الفاسدة، والترهل المعيشي، والتغول الأمني، كانت قد جعلت من أسلوبه نموذجاً جاذباً لبعض الشرائح هنا أو هناك.

أما ونحن في عالم ما بعد يناير 2011 فإن نموذجاً جديداً قد ظهر وأثبت فعاليته على الأقل في إسقاط نظامين عربيين، فقد انكشف ضعف وتهافت وانتكاس النموذج البن لادني، وما عدا ذلك ليس إلا تفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع.

في الحادي عشر من سبتمبر 2001 بدا لنا أننا على وشك حرب حضارية، عندما أعلن بن لادن مسؤوليته عن إسقاط برجي التجارة الدوليين، جاء الرد بعد عشر سنوات مدوياً ليقلب نظرية الفسطاطين رأسا على عقب، من خلال النضال السلمي لمواجهة انسداد الشريان السياسي للأنظمة العربية، وبالتالي موت بن لادن أصبح أمراً طبيعياً، فما هو أبعد من الشخص هو الفكر، وفكره اليوم قد أصبح له بديل ناجح.