عزيزة يا مصر
ما شهدته مصر خلال الأيام القليلة الماضية وما ستشهده شأن داخلي عسى الله أن يعجل مستقبلها إلى خير، ويحفظها من كل مكروه، فوالله العزيز إنها قلب العرب النابض، ومكنون عزه الذي بان جليا بعد أن هز الوجدان العربي من المحيط إلى الخليج مجبرا العالم ورؤساء الدول العظمى على متابعة ما يدور لحظة بلحظة، وبتصريحات بعضها جاء صادقا مؤمنا بالديمقراطية، ما كنا لنسمع عنها أو نراها لولا «ميدان التحرير».
بعض تلك التعليقات غريبة بحيث اختزلت في أمر واحد وبسؤال محدد: لمن سيؤول الأمر بعد رحيل الرئيس حسني مبارك؟ وكأنها صفقة يفرض أجندتها اللوبي الصهيوني، حيث أوضح ذلك رئيس وزراء إسرائيل بطلبه من القوى العظمى تأمين حماية دولته من تغيرات قد تحدث على أرض الواقع، وكأن المواطن المصري للبيع لهذا أو ذاك.المحزن بالأمر كم الضحايا التي تقع بين الشعب الواحد مؤيدين أو معارضين للنظام، ناسين أن دم المسلم عند الله أعظم من هدم الكعبة، فحقن دماء إخواننا المصريين مسؤولية كل من يملك القرار، فالتاريخ لن يرحم من رقص على دماء الأبرياء، وسيدخل من بابه الخلفي، وسيجد باب المغفرة أمامه مغلقا لما جنته يداه.شرارة الغضب قد تكون أوقدتها ثورة تونس، لكنها لم تكن لتشتعل في مصر لولا ما مورس من تغييب متعمد لإرادة الشعب من خلال التزوير بنتائج الانتخابات لمجلس الشعب، وكأن الحكم لا يستقيم إلا بتحجيم الرأي الآخر غير معتبرين من تجارب الدول الدكتاتورية التي انتهجت هذا المسار دون أن يرفع الحزب الحاكم بصره للدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها من خلال تبادل السلطة فيها بكل هدوء، فمن يشكل الحكومة ينظر للمعارضة على أنها جزء من المكونات السياسية والاجتماعية للدولة.مقولة «كل له نصيب من اسمه» تجلت في «ميدان التحرير» الذي لفت أنظار العالم، فلأول مرة أجد ساحة حملت هذا الكم من معاني التضحية من شباب لم يكن للساسة والتنظيمات الحزبية دور أو فضل في تحويل مسار الديمقراطية في مصر الحضارة؛ لتشرق شمس الحرية على شعب لا يرضى إلا أن يكون في صدر التاريخ، فتحية لكل أحرار مصر على ما قدموه من صورة مشرفة، فالورد يظل وردا رغم أنف الشوك. تصريحات الحزب الحاكم والقيادة السياسية المصرية لا تتناسب والمرحلة، وهي دائما تأتي متأخرة بل تزيد من حدة التوتر والفوضى بعد أن رموا كل أوراقهم على الوقت عل وعسى يأتيهم أمير سندريلا أو يجدون مصباح علاء الدين، لكن هيهات فما خرج من الغمد لا يرجع بتلك السهولة فقد «سبق السيف العذل».القوى الغربية خرجت هي الأخرى عن صمتها لتضع ضغطا آخر لا يمكن تجاهله بتوجيه رسالة مفادها «يجب الاستجابة لمطالب الشعب وبتحول سلمي للسلطة». لا أشك أنها ستساهم بشكل كبير في تغيير الخارطة السياسية للمجتمع المصري؛ خوفاً من اختطاف مسرح الأحداث كما حدث في إيران لمصلحة القوى الإسلامية، حيث لا يمكن تحمل مثل هذه الخسارة لمعرفتهم المسبقة بأهمية مصر على السلام الإقليمي وكقلب للأمة العربية وقدوة لها.مشاهد «البلطجة» وتصرفات بعض أفراد الأمن التي بثتها المحطات الفضائية لا يمكن غض النظر عنها، ولابد من محاسبة كل من وقف وراءها، فمشاهد الدهس وقتل الأبرياء بسيارات الأمن واستخدام الخيول والجمال ليست عملا عشوائيا كما يحب أن يصفه البعض، كما يقول إخواننا المصريون «بلاش استعباط».آخر دعوانا اللهم احقن دماء أهلنا أهل مصر، واحفظ لنا الكويت أميرا وشعبا، إنك قريب تجيب الدعاء.ودمتم سالمين.