-1 كانت الثورة الفرنسية 1789 المثال المحتذى في كل أوروبا للعدالة والمساواة والإخاء، وهي وإن ظهر لها أعداء فيما بعد وفيما يعرف بـ»الثورة المضادة» فيكفيها أنها نشرت رياح الحرية في كل أوروبا، كما قال الزعيم الهندي جواهر لال نهرو في رسالته عام 1930 التي كتبها لابنته أنديرا غاندي، يشرح لها معاني وآثار الثورة الفرنسية، ويحذر الثوريين في العالم من أخطار «الثورة المضادة» التي تتمثل في عدة مظاهر منها:

Ad

1- كثرة الأحزاب وقيادة هذه الأحزاب الساعية إلى السلطة، وهو ما نراه الآن يحصل في مصر، حيث تقوم فئات مختلفة على تكوين أحزاب جديدة لكي يتاح لها الاشتراك في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وهذا من حقها، شرط ألا يتم عزل الآخرين سياسياً، وعلى رأس هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين، التي تسعى الآن إلى إنشاء حزب سياسي جديد (حزب الحرية والعدالة)- وهناك حزبان في العالم العربي بهذا الاسم الأول، جزائري أسسه أتباع طالب الإبراهيمي، والثاني كردي عراقي تأسس في كردستان- وكلّفت «الجماعة» القيادي الإخواني سعد الكتاتني بمتابعة الإجراءات القانونية للترخيص لهذا الحزب، ويبدو أن نواة هذا الحزب هي «مجموعة العدالة والحرية» التي كان لها السهم الأوفر في ثورة 25 يناير، وقامت بحملتين واضحتين قبل 25 يناير: «حملة قرع الأبواب»، و»حملة دعم البرادعي»، مما يبرز دور «الجماعة» الرئيسي في ثورة 25 يناير، ولا بُدَّ أن «حركة 6 إبريل» ستتحول إلى حزب سياسي أيضاً، وستخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة وكذلك «الجبهة الديمقراطية»، ومعها «اتحاد شباب مصر الحرة»، ولنلاحظ أن مساهمة الإخوان المسلمين في» 25 يناير»، كانت من خلالهم مباشرة، ومن خلال فرق ثلاث أخرى هي: «مجموعة العدالة والحرية»، و»حملة طرق الأبواب»، و»حملة دعم البرادعي»، وبذا يكون للإخوان في» 25 يناير « نصيب الأسد كما هو واضح، وكما يهمسون في مجالسهم الخاصة.

أما بخصوص الحزب الجديد (حزب الحرية والعدالة) فتبرز عدة أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة منها:

هل سيكون هذا الحزب دينياً أم سياسياً؟ وإذا كان الحزب دينياً، فما الفرق بينه وبين تنظيم «جماعة الإخوان المسلمين»؟ وإذا كان الحزب سياسياً، فهل سيُسمح للمرأة، وللأقباط، والمسيحيين الآخرين، ولليهود المصريين، وللبهائيين، واليساريين الانضمام إليه؟ وكيف يمكن لجماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي تأسست دينياً عام 1928 لمحاولة استرجاع الخلافة الإسلامية في مصر، وفشلت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من ثمانين عاماً، أن تؤسس حزباً سياسياً محضاً يحكم دولة مدنية لادينية؟ وما مصير المرشد العام، وأعضاء مكتب الشورى؟

2- حذَّر نهرو في رسالته لابنته أنديرا غاندي من القوى الرجعية الداخلية والخارجية المعادية للثورة، وكان من حسن حظ ثورة 25 يناير أن جاري مصر: ليبيا والسودان أصبحا في موقف ضعيف جداً لا يقويان على التدخل في الأمور المصرية، أما إسرائيل فأمر تدخلها متروك للمستقبل، ولما ستفعله مصر- فيما لو وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة- بقضيتين رئيستين هما: اتفاقية «كامب ديفيد» واتفاقية شراء الغاز المصري. وعلى ضوء موقف مصر الجديدة من هاتين الاتفاقيتين ستحدد إسرائيل موقفها من مصر الجديدة.

3- هناك نقطة مهمة يثيرها نهرو في رسائله لابنته، وهي أن الإنسان استغرق زمناً طويلاً جداً قبل أن يكتشف أن مجرد المساواة أمام القانون والحصول على حق الانتخاب، لا يضمنان له المساواة الحقيقية، أو الحرية، أو السعادة، وأن الرجال القائمين على تصريف شؤون الحكم مازالوا يملكون الوسائل الأخرى لاستغلال الإنسان. وتلك هي واحدة من مظاهر الثورة المضادة، التي أصابت كثيراً من الثورات في التاريخ، ومنها الثورة الفرنسية، ويخشى على ثورة 25 يناير منها.

4- من أكبر آفات الثورة المضادة، أن تنشغل الدولة في حروب خارجية، لذا فإن تهديد الإخوان المسلمين بإلغاء «اتفاقية كامب ديفيد» ووقف تزويد إسرائيل بالغاز المصري الآن، ربما يقود مصر إلى حرب جديدة مع إسرائيل، وفيما لو فشلت الثورة الليبية ضد العقيد القذافي، فإن هذا ربما يقود الى حرب ميليشيات إرهابية ليبية ضد مصر. وانشغال الدولة المصرية بمثل هذه الحروب، سوف تصرفها عن الإصلاحات الكثيرة التي تسعى للقيام بها، وهو ما تمّ في فرنسا بعد الثورة الفرنسية، حيث انتهى المطاف بدكتاتورية نابليون العسكرية، وهو ما حدث في مصر أيضا بعد عام 1952، حيث دخلت مصر غمار حرب 1956، وحرب اليمن 1962، وحرب 1967، وانصرفت كثيراً عن القيام بإصلاحات ضرورية.

-2 وفي هذا الشأن، كانت «مجموعة الأزمات الدولية» في بروكسل التي تعمل لتحاشي الصدامات الدولية، قد أصدرت تقريرها حول «الحالة المصرية» في 24/2/2011 بعنوان «هل انتصرت مصر؟» ولخص التقرير كيف يمكن لمصر أن تتجنب الثورة المضادة وذلك باتباع التالي:

1- ترجمة النشاط السياسي في الشارع إلى ممارسات سياسية تعددية ومؤسسية، وترسيخ وجود الحركة الديمقراطية، ووضعها في قالب مؤسسي لتجنب انقسامات الماضي.

2- إن افتقار الحركة الديمقراطية إلى القيادة، وإلى ممثلين، وإلى برنامج مفصّل للتغيير، كان ميزة خلال المظاهرات، ولكن من شأن ذلك أن يتحول إلى عبء في المرحلة الانتقالية. لقد كان الرأي العام متقلباً، فقد ضجر من النظام، ولكنه في نفس الوقت، كان يخشى عدم الاستقرار، وكان يمكن أن يعطي الأولوية لسيادة النظام على حساب الإصلاحات الديمقراطية العميقة في المرحلة المقبلة. لذا، لا بُدَّ من قيادة تاريخية للحركة الديمقراطية المصرية الجديدة. ويقول ألايجا زروان كبير محللي «مجموعة الأزمات الدولية» لشؤون شمال إفريقيا: «سيكمن التحدي في ضمان اتخاذ القرارات الحيوية بالإجماع للحد من مخاطر تآكل وحدة الهدف الحالية».

3- ليس المهم الإطاحة بمبارك ولكن المهم أيضاً هو الخطوة التي بعد ذلك، وهو ما يؤكده روبرت مالي، مدير برنامج «مجموعة الأزمات الدولية» للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقوله: «لقد كانت الإطاحة بمبارك خطوة هائلة، ولكن القادم من التطورات، سيكون بنفس الأهمية.» لا سيما أننا نرى الآن، بوادر انهيار الدولة من خلال سطوة الشارع على كل مرافقها.

* كاتب أردني

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة