طبائع الاستبداد!
الظاهرة التي تحتاج إلى دراسة بالفعل هي أن الدول العربية، الصاعدة على سلّم الديمقراطية، تواجه على نحو مقصود ومنظم تحدي ما يسمى استهداف هيبة الدولة، وهذا يبدو بصورة أكثر وضوحاً في الأردن وفي الكويت وفي مصر وفي اليمن وبعض دول الشمال الإفريقي المغاربية، إذ بالإمكان التأكد من هذه الظاهرة باستعراض سلسلة الأحداث التي تشهدها هذه الدول في السنوات الأخيرة.والسؤال هنا هو: هل المجتمعات العربية لاتزال غير مهيئة ولا مؤهلة للديمقراطية أم أن الإنسان العربي نفسه وبتكوينه الثقافي والتربوي لا يحترم إلا القمع وأنه، رغم أن العالم قد دخل القرن الحادي والعشرين منذ عشرة أعوام، لايزال محصناً ضد الحريات العامة ولا يخضع إلا لأنماط الاستبداد الآسيوي على غرار ما كان سائداً في العالم في العصور الوسطى، ولايزال هو طابع بعض دولنا العربية؟!
جاء في كتب التاريخ القريب أن الدولة العثمانية أرسلت إلى دمشق والياً تقياً وورعاً يخاف الله، بعد أن كان فيها والٍ له صفات جمال باشا السفاح الذي لايزال مضرب مثل في بلاد الشام في القسوة والدموية والشراسة في القمع وتعليق الناس على أعواد المشانق، وكان المستغرب أن الدمشقيين قد استقبلوا الوالي الجديد بالاستهزاء وبالمسخرة، وهذا كما هو معروف كان قد حدث مع الحجاج بن يوسف الثقفي قبل أن يميط اللثام عن وجهه ويبدأ خطبته الشهيرة:أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفونيإني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لأنظر الى الدِما بين العمائم واللّحى... إلى آخر هذه الخطبة التي كانت بمنزلة السياسة القمعية والاستبدادية التي اتبعها الحجاج مع أهل العراق، فبقوا يمشون على الصراط المستقيم إلى أن توفي وفي سجون عاصمته "واسط" خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة...!!فهل العرب لا ينفع معهم إلا الاستبداد، ولا يخضعهم إلا الضرب على الرؤوس وإلا ما معنى أن يكون كل هذا التغُول على هيبة الدولة في الدول التي إن هي ليست ديمقراطية، كما هو عليه الوضع في العالم الغربي الديمقراطي، فإنها على الأقل تختلف عن شقيقاتها الأخريات في أنها وضعت أقدامها على بداية سلّم الديمقراطية والحريات العامة...؟!كان الأولى بالبرلمانيين الأردنيين والكويتيين والمصريين أن يعضوا على التجربة الديمقراطية بالنواجذ، وأن يضعوها في حدقات العيون، وأن يحرصوا عليها حرصهم على فلذات أكبادهم، وأن يحموها من أي انتكاسة... لكن وبصراحة فإن بعض ما هو سائد عكس هذا كله، وهناك من يسعى إلى استغلال هوامش الحريات العامة للتغول على هيبة دولهم، وبعضهم لا يسعده أكثر من أن يتخذ وليُّ الأمر القرار الأصعب الذي هو حلّ البرلمان وإعادة حله مرة أخرى وللأسباب ذاتها... فهل هي طبائع الاستبداد...؟!