هوة لن تردم


نشر في 15-11-2010
آخر تحديث 15-11-2010 | 00:00
 فوزية شويش السالم لعلنا لا ندرك بشكل واضح ماهية الفروق الحضارية التي تفصل ما بين الشرق والغرب، مادمنا أصبحنا نستخدم المعايير والأساليب الحياتية ذاتها، ونستخدم كل وسائل التكنولوجيا الحديثة بكل أشكالها وأنواعها، ونعيش ونأكل ونلبس ونفكر بطريقة وأسلوب السوبرمان العالمي، الذي بات مقررا ومفروضا على شعوب الكرة الأرضية برمتها، سواء كان السوبرمان أصليا أو مقلدا من الجميع.

وفي حقيقة الأمر، هناك مسافات شاسعة تباعد ما بين استخدامنا للأساليب الحضارية الجديدة، وما بين طرق استخدام أدواتها وفهمنا العميق المدرك لها، الفرق لا يدركه ولا يشعر به إلا هؤلاء الذين يهاجرون إلى الخارج.

المغتربون والمهاجرون هم أكثر من يتصادم مع هذه الفروق الحضارية، والإيميلات التي تصلني من بعض القراء توضح هذه الفروق وتكشف عن تلك الهوة الفاصلة ما بين استيراد الشكل الخارجي لأساليب وأدوات المعيشة الحضارية، وما بين الفهم لكيفية استخدامها وانعكاسها على الأداء الآدمي الإنساني.

وفي إيميل كتب د. محمد رحال عن القوانين السويدية الخاصة بالمعاقين في دولة السويد، التي تؤمِّن كل احتياجاتهم التي من شدة تعاطفها وكرمها معهم، جعلت الأصحاء يحسدونهم ويتمنون لو أنهم يُعامَلون بمثل معاملتهم.

والدكتور محمد يشرح في مقالة طويلة تلك الفروق ما بين قوانين المعاقين في السويد وما يقابلها من تلك العواطف التي لا تسمن من جوع والتي تغدق على المعاقين في الدول العربية، وتنتهي في أفضل حالاتها بتوفير كشك للمعاق ليبيع فيه مشروبات غازية أو علب كبريت.

وفي إيميل آخر جاءني من «نوزاد سنجاري»، كتب فيه مقالة تكشف عن صدمته الحضارية مع المجتمع الغربي وعن اندهاشه من الفرق الواضح ما بين ما هو إنساني وما هو عاطفي، فالشعوب الشرقية عاطفية لكنها غير إنسانية بعضها تجاه بعض، والأوروبي لا يملك عاطفة فوارة لكنه إنساني إلى أبعد الحدود، فهو الذي يدعم الجمعيات الخيرية، ويؤوي اللاجئين ويحترم الإنسان بكل هوياته وأجناسه، بينما نحن لا نملك إلا قانون الغاب، القوي يأكل الضعيف، والحقد والغش هما أساس المعاملة،

ويرى الأغنياء ينفقون آلاف الدولارات لشهواتهم الخاصة ولا يتبرعون بدولار لإغاثة الفقير، بينما نجد أن الأوروبيين يتبرعون بكل ما يملكون.

وهو يرى أننا نربّي أولادنا على الحنان المبالغ فيه، فينشأون في شخصية تتغلب عليها العاطفة ولا يحكمها العقل، عكس الأوروبي تماما، الذي يربّي أولاده على الإحساس الإنساني الشامل، واحترام الإنسان كبشر له كامل حقوقه الاجتماعية، لذا نجد الأوروبي عندما يفقد أحد أفراد أسرته، يحزن لكنه يستمر في الحياة لأنه ليس عاطفيا، بينما نجد أن العائلة العربية تنهار وتتحول الحياة إلى جحيم بسبب العاطفة المبالغ فيها.

ويقول إننا نمتلك أكثر من 500 قناة دينية إسلامية ترشدنا وتعظنا على سلوك الطريق السوي، ومع هذا نسرق ونكذب ونرتشي ونغدر ونعذب ونكره ونمارس جميع أنواع الفساد الاجتماعي والأخلاقي، رغم أننا نمتلك منهاجا وشريعة إسلامية وقرآنا يحض على سلوك أفضل الأخلاق الإنسانية ولا نحتذي به، بينما الأوروبي لا يملك قنوات دينية ومع هذا نراه يطبق مبادئ شريعتنا الإسلامية بالسليقة والفطرة السوية.

ما سبق ذكره هو مقتطفات مختصرة تبين ما يشعر به المغتربون في الدول الأوروبية حين يتواجهون مع الاختلافات الحضارية في ما بين الشرق والغرب، ولا نستطيع أن نجزم أنه صحيح بالمطلق لأن الغرب استطاع بفضل الاكتشافات الجغرافية الاستعمارية التي مكنت الغرب من الاستيلاء على كل مقدرات الشعوب الشرقية، والتي بفضلها تقدم الغرب وقفز إلى مستقبل الرفاهية الصناعية والتكنولوجية بسنوات ضوئية فصلت ما بينه وما بين الدول الشرقية، التي تزايد عددها واستفحل فقرها ونضبت مواردها، فكيف تشعر برفاهية الإنسانية ورهافة ترفها وهي تعاني الفقر وأمراض الفقر الاجتماعية والأخلاقية؟

الغرب لم يترك لها فرصة المساواة حتى يتم قياس معيار الأخلاق الإنسانية عليه، فالقياس يجب أن يكون بين أطراف متساوية في كل معايير القياس، وربما لن يأتي هذا التساوي في أي زمن قادم، فالشركات الاقتصادية العملاقة تقوم الآن بذات دور الحركات الاستعمارية السابقة الذكر، فهي تحلب هذا الشرق بطرقها السحرية الجديدة وبكل أدوات الحضارة التي تصدر وتباع إلى شعوب لم ترتفع إلى مستوى إدراك من خلقها وصنعها وصدرها إليها، لذا نجد هذه الاختلافات الشاسعة في ما بين الشرق والغرب، بين المرتاح في معيشته وبين التعبان فيها. 

back to top