الحكومة والنواب عليهما إدراك مواقع الخلل بتشخيص مهني يقوده المختصون من غير المجاملين، يضع الحلول الآنية والمستقبلية لنوع العلاقة المرتقبة، بقبول منهجية الاختلاف من خلال وضع لغة للتفاهم، لا يكون فيها تسفيه الرأي الآخر؛ بدءاً برفع كلمة «مأزومين» من القاموس أسوة بكلمة «انبطاحي»، لفتح صفحة جديدة من التعاون وإذابة جبل الجليد بين السلطتين لمصلحة الوطن.

Ad

الأشهر الحرم أربعة، وهي الأشهر الهجرية العربية ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم, ورجب... وهذه الأشهر الحُرُم يوضع فيها القتال إلا ردًّا للعدوان، وتُضاعف فيها الحسنةُ كما تُضاعف السيئةُ، وكان الهدف من هذا التقليد عندهم هو تمكين الحجاج والتجار والراغبين في الشراء من الوصول آمنين إلى أماكن العبادة والأسواق والعودة بسلام، هكذا كانت حال العرب منذ زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

اللطيف أن العرب أيام الجاهلية كانوا يضعون أحقادهم وراء ظهورهم احتراماً لموروث ديني لا يؤمنون به، أما نحن في الكويت فإننا نعيش منذ فترة حرباً إعلامية لم تقف لحظة دون نشر الكراهية بين كل مكونات المجتمع؛ لأغراض سياسية صنفت المواطنين إلى فئات، واستغلت المباح أصلاً إلى ما هو محرم، فصار شعار الفوضى عنواناً للاستقرار في زمن اختلط فيه الباطل بالحق، وتاه فيه المواطن وسط زحمة تصفية الحسابات.

الفوز هو الفوز وله طعم واحد، فبعد كل هذا الحشد اجتاز الشيخ ناصر المحمد محاسبة سياسية كانت الأصعب في مسيرة المجلس، وفي نقلة نوعية سجلت في تاريخ الديمقراطية تحتاج إلى وقفة مراجعة؛ ليس من حيث «كم» النواب الذين ذهبوا مع عدم التعاون أو ضده، بل مع الـ»كيف» في إزالة العوائق التي أدت إلى شلل؛ ليس في التنمية فحسب، بل إلى فرز مجتمعي غير مسبوق على غرار من ليس معي فهو عدوي، حتى أن جدل إقصاء الرأي الآخر وصل بين أفراد المجتمع إلى حالة لم نعتد عليها كنهج في الحياة اليومية لشعب عشق حرية التعبير.

الحكومة والنواب عليهما إدراك مواقع الخلل بتشخيص مهني يقوده المختصون من غير المجاملين، يضع الحلول الآنية والمستقبلية لنوع العلاقة المرتقبة، بقبول منهجية الاختلاف من خلال وضع لغة للتفاهم، لا يكون فيها تسفيه الرأي الآخر؛ بدءاً برفع كلمة «مأزومين» من القاموس أسوة بكلمة «انبطاحي»، لفتح صفحة جديدة من التعاون وإذابة جبل الجليد بين السلطتين لمصلحة الوطن.

الملاحظ أيضاً أن نوابنا الأفاضل قد حادوا كثيرا عن منهجية العمل المنوط بهم كممثلين للأمة، فقد تجاوز اختلافهم حدود «قاعة عبدالله السالم» لينقلوه على المحطات الفضائية، وكأن عندهم عقوداً إعلامية، بحيث ظهورهم أصبح ماركة مسجلة علينا مشاهدتها يوميا، لكن الغريب تحججهم بعدم وجود وقت لسماع هموم المواطن العادي، أما تليفوناتهم فمقفلة لذات السبب، لذا فمسؤوليتهم مضاعفة بوضع البلد على صفيح ساخن... فهل لهم من عودة للعمل العقلاني والذود عن مصالح الشعب؟

الكويت اليوم بحاجة إلى المجلس بجناحية التشريعي والتنفيذي لإعادة اللحمة ليعود إلى زمن الأخلاق والتراحم والابتعاد عن أولئك الذين يريدون السوء بالوطن، وليعتبروا بقولة تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ». الأنعام (112).

ودمتم سالمين.