سيقوم الشعب من خلال الانتخابات القادمة بإيصال نواب صالحين على قدر كبير من الوعي بحقيقة ما يجري من عبث وتلاعب سياسي على يد السلطة، وسيتوقف عن الدفع بنواب الفساد والمصالح إلى قبة البرلمان، وهم الذين كانوا طوال الفترة الماضية الأداة الأقوى بيد السلطة، فإما أن يحصل هذا، وإما أن حكايتنا ستكون فعلا حكاية «الثيران»! توضيح: ثيران، هي اللفظة العامية لكلمة ثئران، والتي هي جمع كلمة ثور، وهذا واضح ولا شك، لكن ما لعله يحتاج التوضيح هو السبب في استخدامي لهذه الكلمة عنوانا، والسبب هو استحضاري لتلك القصة أو الحكمة المعروفة عن الثئران الأربعة، الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، والتي أكلها الأسد واحدا تلو الآخر ابتداء بالأبيض، بمساعدة من الثور الأسود الذي غرر به، حتى جاء دوره فانقض عليه الأسد ليأكله، فصاح وهو مقبل على نهايته: «لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض!».

Ad

تذكرت هذه القصة، وأنا أراقب دورة الزمان وهي تلفنا في الكويت، في كل حين وحين، فئة تلو فئة، لتضعنا بين حجري الرحى، فمن شهور بسيطة، كان «أبناء القبائل» هم المستهدفون سياسيا، وكانت السهام مصوبة نحوهم، ووقفت الفئات الأخرى، إما على الحياد ملتزمة الصمت، وإما ساهمت في ذلك الاستهداف، ولم يظهر إلا قليل من الأفراد، هنا وهناك، للتحذير من خطورة ما يجري على النسيج المجتمعي واللحمة الوطنية، فكان ما كان من شد واستقطاب واحتقان، وإيغار للنفوس، لا تزال آثاره مستمرة حتى الساعة.

ودار الزمان، ودارت الرحى... وها هم «الشيعة» يصبحون في قلب النيشان، ويصيرون هم محل الاستهداف السياسي بسبب الظروف الإقليمية، وتتحرك الفئات إلى مواقع جديدة، وكأن الزمان يعيد نفسه، فالتزمت فئات أخرى الصمت، وشاركت فئات في هذا الاستهداف، ولم يظهر سوى أفراد قلة للتحذير مما يجري على المجتمع والنسيج الوطني، ولكن لا فائدة، فالأمر سائر في مساره، كما سار منذ بضعة أشهر!

وليس عندي ذرة من شك، بأن الرحى ستستمر في دورانها، وستطحن فئة مجتمعية أخرى، طال الزمان أو قصر، ولا شيء في الأفق يدل على أن الفئات الأخرى ستتخذ من المواقف ما يختلف عما سبق من مواقف!

المشهد قاتم ولا شك، لكن الضوء الإيجابي الوحيد الذي أراه، والذي يمكنني مع كثير من الدعاء، أن أعول عليه، هو أن السلطة، وخلال هذه الأحداث المتتالية التي طحنت مختلف فئات المجتمع الكويتي، فئة بعد فئة، يفترض أن تكون قد خسرت كل تأييد من هذه الفئات، وخسرت قدرتها على استغلال نوابها في البرلمان للوقوف في صفها، وبالتالي فهي الآن أمام واقع سياسي جديد رسمته بنفسها من خلال سوء تصرفاتها وتخبطها المستمر.

هذا الافتراض يستند إلى فكرة أن الشعب، بفئاته المختلفة، قد تعلم الدرس، وسيقوم من خلال الانتخابات القادمة بإيصال نواب صالحين على قدر كبير من الوعي بحقيقة ما يجري من عبث وتلاعب سياسي على يد السلطة، وسيتوقف عن الدفع بنواب الفساد والمصالح إلى قبة البرلمان، وهم الذين كانوا طوال الفترة الماضية الأداة الأقوى بيد السلطة. أقول، إما أن يحصل هذا، وإما أن حكايتنا ستكون فعلا حكاية «الثيران»!