لعل من أعظم الخطايا السياسية في العالم العربي، والتي قد تكون هي المحرك الرئيس في الثورات الشعبية، التي حدثت ومازالت تحدث في بعض الدول العربية هي تعظيم الحاكم والنفخ في ذاته إلى درجة قد تصل في بعض حالاتها إلى التأليه أو درجة قريبة منها جداً، فهو الآمر الناهي، والسيد المطاع، العالم ببواطن الأمور وظواهرها، النافع الضار، المنعم المانع، صاحب الكلمة العليا التي لا يجوز التعقيب عليها، ذاته مصونة من النقد، وقراره محصن من الاعتراض، لا يسبق بكلمة ولا يرد عليه إلا بآمين.

ولعل من يطوف في شوارع معظم الدول العربية يجد صور القائد الملهم، والزعيم الأوحد، والبطل المناضل، تملأ الميادين والساحات، وتغطي واجهات العمارات، وتزين جدران الوزارات والمؤسسات، بشكل مستفز، وصورة متحدية لمشاعر الناس، وكأن الذين وضعوها، أو أمروا بوضعها يريدون أن يوحوا للشعب أن الدولة وما فيها ملك لصاحب الصورة، أو أنهم أرادوا بذلك أن رئيسكم معكم في كل مكان يرقب تحركاتكم ويرصد أنفاسكم، أينما كنتم.

Ad

ومن مظاهرها الأناشيد التي توزع على المدارس ليحفظها الأطفال والتي تسبح بحمد السيد الرئيس وبطولاته، وفتوحاته وأعماله الخارقة رغم أن بعضهم يعيش حالة احتلال مذلة دون أن يحرك ساكناً لطرد العدو من أرضه... لذلك كله، كان أول عمل قام به الثوار في كل الدول العربية هو التوجه صوب تلك الصور والأصنام المستفزة وأنزلوها بصورة تنم عن الاحتقار ثم داسوها بأقدامهم وضربوها بنعالهم ثم جعلوها وقوداً للنار وظلوا يرقصون حولها حتى صارت رماداً تذروه الرياح، وكأنهم يريدون أن يوجهوا رسالة إلى العالم أجمع أن الرؤساء العرب ليسوا آلهة بل هم بشر مثلنا يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب، يصيبون ويخطئون، ويعجزون ويمرضون، ومهما استعلوا فسيأتي اليوم الذي فيه يسقطون، بإرادة الله أولاً ثم بصحوة الشعوب وإيمانها بحقها بالعيش الكريم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الواحد الأحد، الفرد الصمد.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة