طارد التوتر والقلق
كنت أظن أن خبرتي الروحية ليست في حاجة إلى قراءات جديدة، فقد عبرت تجربتي مسارات بعيدة تجاوزت فيها القراءات المرشدة للطريق، وكان كتاب «قوة الآن» لمؤلفه ايكهارت تول موجودا في مكتبتي منذ فترة طويلة، وكل من حولي يسأل إن كنت قد قرأته؟
كنت أفرح لطاقاتهم الروحية التي استيقظت وعرفت بداية الطريق، ومع تزايد الطلب قررت أن أقرأ الكتاب وفي داخلي صوت يقول بماذا ستفيدني قراءته مع كل هذه الخبرات الروحية التي توصلت إليها. لكن من بعد قراءة الكتاب شعرت بتنوير أكبر وبوضوح للمعنى الذي لم أستطع أن أضعه في صيغ تعبيرية أو بأسئلة تحدد مفهومه وتنير جوانبه المتملصة من أشكال الوضوح كلها، لأن التجربة الحسية والروحية يصعب تحديدها في أطر محددة وواضحة. الكتاب يكشف عن كيفية سيطرة العقل على صاحبه بحيث يصبح العقل هو من يسيّر صاحبه وليس صاحبه من يسيّره، يعرف متى يشغله ومتى يوقفه. فالكاتب يقول: «العقل أداة جليلة ورائعة إذا استخدم بطريقة صحيحة، أما إذا استخدم بطريقة خاطئة فسيصبح أداة هدامة، وتماما كما يحب الكلب مضغ العظام، يحب العقل أيضا غرس أنيابه في الصعوبات والمشكلات، فالعقل هو الذي يستخدمك، انك تطابقه من دون وعي، حتى انك لا تعرف أنك عبد له. لذا يرى الكاتب أن الطريق للتخلص من سيطرة التطابق مع الزمن النفسي الذي يخلقه العقل هو العيش في قوة الآن، وسيعطيك هذا طعما لحالة من الحرية الروحية متخلصة من الظروف الخارجية، حالة صادقة من السكون الروحي، وتصبح حاضرا، وعندما تكون حاضرا تستطيع السماح للعقل ليصبح كما هو عليه من دون أن تقع في شراكه. ها هو المفتاح: إنه وهم الزمن- الزمن والعقل متلازمان، ارفع الزمن من العقل فيتوقف- ما لم تختر أنت أن تستعمله، وكلما ركزت على الزمن، ماضيا كان أو مستقبلا، افتقدت الآن (اللحظة الحاضرة) التي هي أثمن شيء موجود. إن الصوفي هو ابن الزمن الحاضر، ومعلم الصوفية يصرح: «الماضي والمستقبل يحجبان الله عن بصرنا، احرق كلاهما بالنار» لا يوجد عائق عن الله أعظم من الزمن. استخدم حواسك بالكامل، كن حيثما تكون، انظر حولك، لا تقاطع، كن منتبها إلى الحضور الصامت لكل شيء، المس أي شيء، أي شيء، واشعر وقدر وجوده، اشعر بحيوية الحياة داخل جسدك، ركز انتباهك على الآن وأخبرني أي مشكلة عندك في هذه اللحظة؟ لذلك لا تهتم بثمرة أفعالك، فقط أعر انتباهك إلى أفعالك ذاتها أما الثمرة فستأتي طوعا. الإصغاء إلى الصمت يخلق في الحال سكونا في داخلك، لا شيء في هذا العالم يماثل الله كالصمت. هل أنت تلوث العالم أم تنظم الفوضى؟ إنك مسؤول عن فراغك الروحي، وتستطيع إيقاف هذا التآكل والفساد الحياتي وذلك عن طريق تقدير اللحظة الحاضرة، وكلما جلبت وعيا أكثر داخل الجسد، أصبح جهاز المناعة أقوى، معظم الأمراض تزحف إليك عندما لا تكون حاضرا في الجسد. جوهر الأشياء هو الفراغ، ما ليس موجودا أهم بكثير من الموجود. الفضاء والصمت مظهران لشيء واحد، اللاشيء نفسه إنهما تجسيد للفضاء الداخلي والصمت الداخلي، الذي هو السكون، الرحم الخلاق اللامنتهي بكل المخارج، معظم البشر غير واعين تماما لهذا البعد، ليس لديهم فضاء داخلي ولا سكون، إنهم خارج التوازن. فقط عندما يظهر الصوت فالصمت يأتي إلى الوجود. لا شيء يمكن أن يكون من دون فضاء، مع ذلك فالفضاء لا شيء، إذا لم يكن هناك وهم، فلن يكون هناك تنوير. إن الموت مؤلم فقط طالما تلتصق بالوهم، الخلاص الحقيقي هو امتلاء وسلام، وعندما يحدث أي شيء سلبي، هناك درس عميق متخف في داخله، إن البؤس الشديد ممكن أن يكون موقظا عظيما، وعندما تعيش في قبول كامل لما يكون، تلك هي نهاية الدراما في حياتك، لأن السعادة والتعاسة هما في الحقيقة واحد، يفرقهما فقط خداع الزمن، ارفع الزمن من خلال الانتباه الشديد للحظة الحاضرة وستجد إنها تموت. كن خيميائيا حول المعدن الأساسي إلى ذهب، المعاناة إلى وعي، الكارثة إلى تنوير عبر أن تصبح قابلا للعطب، تستطيع أن تكتشف عدم قابليتك الحقيقية والجوهرية للعطب، وقتها يأتي الاستسلام والانعتاق والراحة التامة من الماضي.