يحق لمن يؤرخ للكويت أن يسمّي الحقبة التي نعيشها حقبة «جنون الكوادر»، فجميع موظفي الدولة على اختلاف مواقعهم وتأهيلهم وطبيعة مهامهم يطالبون بامتيازات مالية ووظيفية عبر إقرار كوادر مهنية خاصة بهم، حتى أضحى الأمر شبه حالة هستيرية تخلو من أي منطق أو أسباب وجيهة لتلك المطالبات، وإن كانت هناك استثناءات بسيطة جداً لمهنٍ تستحق أن تُدرَس أوضاعها، لكن ضمن نهج مختلف من خلال علاوات طبيعة العمل والوظائف النادرة، لا عبر تكريس بدعة الكوادر التي نُقِلت عن أنظمة وظيفية متخلفة.

Ad

نهج الكوادر الوظيفية قُنِّن في البلاد في منتصف التسعينيات عبر إقرار كادر المعلمين، وبعد ذلك كرَّت حبات سبحة الكوادر للمهندسين والفنيين وغيرهم، ووجدت الحكومة في الكوادر حينئذ، بديلاً جيداً للتعامل الجزئي مع كل قطاع وظيفي على حدة، عوضاً عن التعامل مع زيادات شاملة لكل موظفي الدولة تتعلق بالراتب الأساسي الذي يورطها بأعباء مالية للجميع والتزامات لاحقة في التأمينات الاجتماعية، إذ إن الراتب الأساسي يدخل بالكامل ضمن راتب الموظف، بخلاف الكوادر التي تُحسَب ضمن التأمين التكميلي للمؤمَّن عليه لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

لكن هذا البديل أضحى عبئاً على الدولة، بعد أن سعى كل تجمع مهني قادر إلى خلق مسمّى وظيفي يلتحق من خلاله بكادر مالي وظيفي ما، أو خلق كادر جديد يبني على أساسه تحركات مطلبية بالحشد وتقديم لوائح مطالب لا تنتهي وتتجدد بين فترة وأخرى، لزيادة الامتيازات المالية للكوادر الوظيفية القائمة أو إنشاء المزيد منها، بينما الحل الأمثل الذي كان يجب أن يؤخذ به، يتمثل في خلق علاوة طبيعة العمل والوظائف النادرة التي يسمّيها ويحددها جهاز الخدمة المدنية، فلا يجوز أن يحصل المهندس الذي يعمل في مكتبه على نفس الامتيازات المالية والوظيفية لزميله الذي يعمل في الميدان من خلال متابعة المشاريع والأعمال، ومن غير المقبول كذلك أن يحصل مدرس التخصصات النادرة كالفيزياء واللغات وخلافه، على نفس راتب مدرس المواد التي يوجد فائض منها من المعلمين، بل الأجدى لتحقيق التنمية وتعديل التركيبة السكانية، أن يحصل على أعلى الرواتب الفنيون الكويتيون الذين يعملون في اللحام والتبريد والمهن المشابهة في الورش والمواقع الخارجية، وبقية الوظائف التي لا يُقبِل عليها المواطنون، من مساواة ينتج عنها ظلم للعناصر الأكثر نفعاً وإنتاجاً للدولة.

وضع المطالبات بالكوادر الوظيفية المالية أصبح حرجاً ويهدد استقرار الجهاز الإداري الحكومي بالفوضى، ويتطلب قراراً نهائياً وحازماً بتجميد النظر في إقرار الكوادر الجديدة وزيادة القديمة منها، والاعتماد على علاوات طبيعة العمل والتخصصات النادرة التي تحددها الأجهزة المعنية، وفقاً لخطة التنمية والحاجات الفعلية للبلد، والنظر بشكل جدي في المستوى المعيشي لجميع الموظفين من خلال مراجعة علاوة غلاء المعيشة بشكل دوري، حتى يحافظ جميع الموظفين على مستواهم المعيشي وتُلبّى حاجاتهم الاجتماعية، ومن دون ذلك فإن حالة «جنون الكوادر» ستستمر، وستجعلنا جميعاً في دوامة من فوضى المطالبات المهنية التي لا تنتهي.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة