العلمانيّة اللبنانيَّة وورقة التوت
جملة عوامل حدثت في التظاهرات الداعية إلى إسقاط النظام الطائفي في لبنان، تدل على واقع المتظاهرين وتحرّكهم «الملتبس»، سواء من خلال لافتة «حلو عنا» التي تضمّنت معظم زعماء الطوائف من الصف الأول باستثناء السيد حسن نصرالله باعتبار أنه «مقدس»، ثم محاولة منع «يافطة» تذكر الرئيس نبيه بري بأنه في رئاسة مجلس النواب منذ عقدين، ثم منع رفع صور المفكرين اليساريين الذين اغتيلوا في لبنان مثل حسين مروة ومهدي عامل وسمير قصير.
يرجّح أن يكون سبب المنع عدم فتح ملفات حساسة مع الطرف الراعي لهذه التحركات، فالحزب الشيوعي «طنش» عن اغتيال رموزه لأجل مصالحه الضيقة، أو هو يمارس سياسة حنين المغتصبة الى مغتصبها بالمعنى الفرويدي والنفسي، ولم يخرج من عقلية الحركة الوطنية السابقة. فالنافل أن هذا الحزب طلب في السبعينات سحب بند العلمانية الشاملة من برنامج الحركة الوطنية إرضاء للطوائف واستبدله ببند إلغاء الطائفية السياسية الذي كان يومها يستهدف المارونية السياسية بشكل أساس حين كان رئيس الجمهورية اللبنانية (الماروني) صاحب الصلاحيات «الملكية» في لبنان. بالتالي لم يكن الحزب الشيوعي ببعيد عن «اليسار المتأسلم». ولم يقتصر الالتباس العلماني على ذلك، فأنصار الشيوعي اللبناني اعتدوا على أحد المصورين لأنه رفع لافتة «لا أحب الصيد وسلاحو»، وهم يرفعون على موقع «فايسبوك» شعارات ضد المحكمة الدولية وأمور أخرى، لعل هذه الأحداث الصغيرة، تدل على هشاشة هذه القوى وضياعها في دهاليز عريضة من الشعارات الملتبسة، وهي مخترقة من جميع الجبهات وفيها شيء من المراهقة و{الولدنة» وفي كواليسها شيء من لعبة النكاية وجس النبض، فالكثير من أنصارها في لحظة الشدة يتركون كل شعارات العلمنة ويلتحقون بجماعتهم الطائفية كما هي حال الكثير من الشخصيات الثقافية اللبنانية، وليست لدى العلمانيين أرضية متينة للتغيير وسلوكياتهم لا تنفصل عن سلوكيات الطوائف، وهم على طريقة النكتة القديمة التي كانت تُنقل عن أبو العبد ويقول فيها بأنه كان ضد الطائفية والشيعة. يتعاطى بعض أنصار العلمانية مع مفهوم العلمانية كأقنوم مقدس، ويعتبرون أنفسهم «شعب الله المختار»، أو «خير أمة» وبدل أن تتحول العلمانية إلى نقطة تواصل بين المجموعات اللبنانية المتنازعة المتناحرة أصبحت شعاراً عدائياً يدعو إليها أصحاب العقل الستاليني أو العقل الطائفي المقنع. كذلك، على الداعمين لتحركات إسقاط النظام الطائفي أن ينظروا الى المرآة، يدعم النائب وليد جنبلاط التحركات الداعية إلى إسقاط النظام الطائفي، لكنه يدرك أن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تأسس علمانياً فشل في أن يكون علمانياً وانتهى به المطاف الى مرحلة الانطواء الدرزي. وحتى في مرحلة ما سمي الحركة الوطنية لم يكن اليسار اللبناني «العلماني أكثر من «عكازة» لطموحات الزعيم الراحل كمال جنبلاط في إطار الصراع الدرزي - المسيحي التاريخي في الجبل والممتد إلى عام 1860، والراجح أن الرئيس نبيه بري يريد العلمانية عكازاً لأمور أخرى وكذلك «حزب الله» ومعظم الطوائف التي تبحث عن سند داخلي وخارجي. ربما تنحو العلمانية على الطريقة اللبنانية لأن تصبح كليشيه مثل «العروبة» و{الاشتراكية» و{القضية الفلسطينية». ففي الماضي كان العروبي السوري ضد العروبي الليبي، والعروبي العراقي ضد العروبي الفلسطيني، والعروبي اللبناني ضد العروبي السوري، والعروبي السني ضد العروبي الشيعي، والعروبي التابع لعبد الرحيم مراد ضد العروبي التابع للحزب الشيوعي، وعلى هذا فكلمة علمانية في لبنان «مطاطية» وتوظف في غير مكانها، فربما نرى بعد أسابيع العلماني - الأملي ضد العلماني الشيوعي والعلماني اليساري ضد العلماني القومي. وهلمّ جرا... ربما على جماعة إسقاط النظام الطائفي قراءة مآل العلمانيين السابقين، فمعظهم انتهى مساره في خيم زعماء الطوائف. تارة بإسم الحوار وطوراً بإسم المستشار، والراجح أن العلمانيين الجدد على طريق أسلافهم. على هذا لا ينبغي تحويل العلمانية إلى مجرد ورقة توت.