هل بالإمكان أن تختفي الدولة من الوجود وتصبح في خبر كان، تتبدد كما الشمعة تحت أشعة شمس حارقة؟ الإجابة هي نعم، ولكن كيف تستطيع الدولة أن تحافظ على نفسها من الزوال؟ ونحن مَن مررنا بتجربة قاسية لا نريد لها أن تتكرر تحت أي مسمى أو أي ظرف.
ولكن من أين جاءت الدولة بالأساس؟ وكيف أصبحت هي نقطة الانطلاق لتنظيم حياة البشر، والركيزة الأساسية للعلاقات بين الدول، وتنظيم المجتمع الدولي؟المؤكد والثابت تاريخياً هو أن «الدولة القومية» ظهرت في منتصف القرن السابع عشر إثر معاهدات ويستفاليا في ألمانيا، والتي أنهت حرب الثلاثين عاماً «1618 ـ 1648»، كما أنهت أيضاً حرب الثمانين عاماً بين إسبانيا وهولندا «1568 ـ 1648».حرب الثلاثين عاماً في أوروبا كانت حرباً ضارية مدمرة، وقضت على عدد كبير من البشر، حتى قيل إن عدد سكان ألمانيا وحدها قد انخفض بنسبة 30 في المئة بسببها، بالطبع كان وراء تلك الحرب أسباب عديدة، ولكنها انطلقت لأسباب دينية بين البروتستانت والكاثوليك، بدايتها تلك أدخلت تقريباً كل أوروبا في أتونها، وكان في جزء منه امتداداً للصراع بين سلالة البوربون والهابسبرغ للهيمنة على أوروبا. وربما في ذات الوقت انتهت أيضاً حرب الثمانين عاماً، حيث اضطرت إسبانيا إلى قبول استقلال جمهورية هولندا.معاهدات ويستفاليا تلك هي التي أنشأت الدولة التي نعرفها اليوم، وشيئاً فشيئاً توارت الإمبراطوريات وانزوت لتصبح ماضياً لن يعود، فالدولة «الوطنية» أو «القومية» الراهنة أصبحت هي محور الارتكاز، يوجد من تلك المخلوقات اليوم أكثر من 200 دولة بقليل، منها ما يسكنه الآلاف ومنها ما يسكنه مئات الملايين، تعيش فيها أعراق وديانات وفئات مختلفة يحكمها معيار المواطنة فقط.وهكذا فإن الدولة ليست إلا مخلوقاً حديثاً جاء نتيجةً لصراع طاحن تم إنهاؤه باتفاقيات غيرت للأبد طبيعة العلاقات بين البشر، حيث دخل علينا مفهوم «السيادة» كما تغيرت علاقة «الرعية» بحكامها، حيث كانت ترتبط قبل ذلك بحكامها بولاءات دينية أو سياسية أو الاثنتين معاً. وبرز المفهوم الجديد وهو «المواطن» الذي أصبح خاضعاً لأول مرة لقوانين الدولة التي ينتمي إليها، ولا يخضع لقوانين دول مجاورة دينية كانت أو غير ذلك.منذ منتصف القرن السابع عشر شهد العالم تطويراً وتحديثاً في بنية وطبيعة ذلك المخلوق المسمى دولة، كان أبرزهما إسهامات نظريات العقد الاجتماعي كجان جاك روسو وجون لوك وتوماس هوبز، ومازالت عملية التطوير تلك مستمرة، والتي لم يكن لها مكان لولا نشوء الدولة.حالة التحول المستمر في وظائف وأنماط الدول أحدثت الكثير من الارتباكات وعدم الاستقرار، فما زالت بعض الدول تحن إلى الماضي الإمبراطوري الذي يجعل منها سلطة عابرة للقارات والبشر، إلا أن النظام الدولي الحالي الذي تجاوز تحديات حادة بحربين عالميتين دفعته دفعاً إلى اعتماد الدولة محوراً لا ردة عنه.إن كان الحال كذلك، وهو كذلك، فلماذا يستمر شبح اختفاء الدول، واندماج الدول، وتفكيك الدول إلى كيانات أصغر؟ ولماذا تفشل دول في الاستمرار، وتنجح غيرها؟ وما هي معايير الفشل ومعايير النجاح؟ وماذا تعني الدولة الفاشلة؟ وما هو ترتيبنا في مقياس الدول الفاشلة؟ ولماذا؟ وماذا يعني ذلك للمستقبل؟ للحديث بقية.
أخر كلام
هل تختفي الدولة؟!
18-08-2010