كتابة الفقدان واليابان 1
ربما لا يعرف العالم العربي عن اليابان سوى بعدها التكنولوجي والصناعات الدقيقة التي اشتهرت بها من الكمبيوتر إلى الإنسان الآلي، وربما بعض أشكال اللباس التقليدي خصوصا في الأفلام اليابانية التي عرفت شهرة كبيرة بفضل مخرجين أمثال أكيرا كيروساوا، وشوهي إيمامورا، وآخرين، أما في مجال الأدب فربما قصائد الهايكو وميشيما، وياسوناري كواباتا، وهذان الأخيران ربما كانا أشهر كاتبين تمت ترجمة أعمالهما الروائية والقصصية إلى العربية. وإذا كانت مسيرة الحداثة الأدبية في اليابان قد شقت طريقها منذ العشرينيات من القرن الماضي، فإن جزءاً منها أصبح الآن أقرب إلى الكلاسيكية، منه إلى اجتراح عوالم اليابان في الوقت الراهن. واليابان التي نهضت من رماد الحرب الكونية الثانية، واستطاعت أن تخلق لنفسها فضاءً عالمياً مميزاً بحيث تنافس الدول الكبرى. لم تتخل عن تركيبتها التقليدية، على الأقل في جوانب ثقافية كثيرة، من الملبس إلى تقاليد السوشي وأنواع الطعام إلى فن الخط وترتيب الزهور إلى مسرح النو والكابوكي... هذه العلامات في مجتمع، متحرك إلى أبعد الحدود، مجتمع، ذي وفرة تكنولوجية هائلة، أقول إن هذه العلامات تكاد تشكل أساساً مفارقاً له دلالات فائقة الأهمية. لكن كارثة فوكوشيما النووية حلت بطريقة دراماتيكية. حسناً نحن نعرف أن اثنين من أهم كتّاب اليابان، قد أقبلا على الانتحار، ياسوناري كابواتا، وصاحب (سرب طيور بيضاء، وضجيج الجبل)، الذي انتحر في عام 1972، وكان قد نال جائزة نوبل للآدب. ويوكو ميشيما صاحب (اعترافات قناع، والشمس والفولاذ)، الذي انتحر بطريقة الهيراكيري، في مبنى وزارة الدفاع اليابانية، في مشهد استعراضي وبحضور الصحافة ورجال الاعلام والتلفزيون.
وكان قبل انتحاره قد، استضاف نفسه، للاحتفاء بها، بالشراب والأكل الفاخر. ميشيما الذي احتج، على توجه اليابان، بعيداً عن التقاليد الإمبراطورية بالإضافة إلى الأبعاد النفسية، التي قيل إن جزءاً منها يعود إلى تربيته وميوله المثلية.أقول عدا عن هذه المعرفة حول اليابان الحديثة، نكاد لا نعرف شيئاً عن الأعمال الشعرية والروائية الجديدة في هذا البلد. وربما هذا ما دفع الشاعر بسام حجار إلى ترجمة عملين روائيين قصيرين للكاتبة اليابانية بنانا يوشيموتو. هذان العملان (مطبخ) و(خيالات ضوء القمر) قد يمنحاننا فهماً، ولو محدوداً، للكتاب اليابانيين الجدد، أي فترة السبعينيات والثمانينيات، وهذه الأعمال الروائية القصيرة التي يطلق عليها في اليابان اسم «الشوسيتسو» أقرب ربما إلى مصطلح النوفيلا أي الرواية القصيرة، لا يجد القارئ في هذين العملين أفكاراً كبيرة أو ادعاءات فلسفية عظيمة بل لا يجد حتى تحولات وذروات حاسمة في البناء الروائي، انها على الأرجح كتابة أقرب إلى البوح والحميمية، كتابة شخصية عن أفراد موزعين في المدينة الكبيرة طوكيو. كتابة ما بعد حداثية؟ ربما ليس التاريخ ولا حركة المجتمع مهمين، إذ إنها كتابة أشبه بالأنشودة الشخصية. كتابة مقتضبة إذن، حتى أن مشاعر الشخصيات رغم مآسيها، تبدو متقشفة أيضاً.