بدأ الباحث في التراث  الكويتي البحري، نواف عبدالله العصفور البحري، بدأ هذه الهواية بعد وفاة والده في عام 2005، ليترك له بعض المقتنيات التي تعود إلى عائلته في منطقة شرق، منها ابواب قديمة وبعض المعدات وغيرها، والذي بدوره حافظ عليها كإرث، وبعد وفاة والده بنى منزلا كويتيا قديما في منزله الخاص بمساعدة الباحث في التراث الكويتي الأستاذ صالح المذن، ليبدأ من هنا جمع كل ما هو تراثي وقديم، إضافة إلى المعدات البحرية.

Ad

طفولة بحرية

يملك العصفور متحفاً في منزله يحوي معدات صيد قديمة ومعدات "الطواويش" وصناعة السفن، ومجموعة مجسمات للسفن التي استُخدمت في الكويت، منها سفن الغوص وسفن السفر الشراعي، اضافة الي مجموعة صناديق للبحارة التي كانت تستخدم حينئذ للسفر، وبعض قطع السفن القديمة، وعدد من "السري" البحرية وكمٍّ من اللؤلؤ الطبيعي والمرجان، فالعصفور -إن صح التعبير- يملك كل المعدات البحرية القديمة من الألف إلى الياء، وذلك لشغفه بهذه المهنة التي تعود إلى والده وأجداده النواخذة.

هم بحريون من الطراز الأول، بعضهم نواخذة غوص ونواخذة سفر شراعي والبعض الآخر طواويش، وهم الطواش عيسى العصفور والنواخذة محمد وجاسم وعبدالعزيز العصفور رحمهم الله، أثّر المحيط العائلي كثيراً في حياة العصفور، إذ اعتاد ان يسمع من والده قصصا وحكايات عن السفر الشراعي ورحلاته إلى الهند، وعن الأهوال التي واجهته في البحر، وعن افريقيا وزنجبار والهند، مؤكداً انه لم يعِش طفولته كباقي ابناء جيله، فقد كان والده رحمه الله، يصطحبه في رحلاته إلى "الحداق" منذ صغره، اضافة إلى انه كان في الغالب يصنع له العاباً مختلفة عن العاب الأولاد في ذلك الوقت، ذاكراً لنا أن والده رحمه الله، كان يصنع له سفنا من "التنك" والأشرعة ويضعها داخل "الحوش"، وكان يخال إليه حينها أنه مبحر في سفينة شراعية، مؤكداً أنه مازال يحتفظ بهذه النماذج.

أنواع السفن

تحدث العصفور عن انواع السفن، فمنها سفن الغوص وسفن لنقل الماء واخرى "للقطاعة"، وهي تستخدم للتنقل في الخليج، ومنها للسفر الشراعي للمسافات البعيدة مثل الهند وإفريقيا وغيرها، وهناك سفن الغوص وهي صغيرة نسبياً بحسب ما جاء به العصفور وهي "البتيل" و"البقاره" وتعدان اقدم سفينتين في الكويت، و"البتيل" تشبه سفن الفينيقيين والفراعنة وتمتاز بالسرعة وقد استُخدمت في امارة الغوص حينئذ، اضافة إلى "السنبوك" و"الشوعي" و"البوم الغواص" و "البلم" و"الجالبوت"، وهناك سفن "القطاعة" وهي سفن تُستخدم في جلب الماء، وهناك سفن السفر الشراعي وتعد "البغلة" اقدمها، وهي شبيهة بالسفن البرتغالية، ومازال في الكويت واحدة موجودة في فندق "ساس" والمعروفة باسم الهاشمي، مؤكداً أنه فيما بعد حل محلها "البوم" وذلك لسرعتها الملاحية وجودتها، وأكبرها " الداو" بحمولة تصل إلى 6000 طن، و"المن" هي "القلة" التي كانت تُحمَّل بالتمر قديماً، اضافة إلى سفن "التشالة" التي كانت تستخدم قديماً في نقل الصخور، وكانت تستخدم كمواد للبناء حينئذ.

رحلة الغوص

وعن رحلة الغوص، أوضح العصفور أنها تبدأ في يونيو، وذلك بوضع اعلانات من قبل ادارة المحاكم، ويتسارع البحارة إلى التسجيل عند النواخذة "والي السلف ماله راهي"، يسجلون عنده الأغلبية، و "السلف" هو مبلغ يُعطى للبحارة قبل دخول الرحلة ويعتبر دينا حتى يستطيع هؤلاء بأن يعينوا اسرهم في فترة غيابهم، ويسجل "السلف" في دفتر محاسبة الغواصين، وعند دخولهم الرحلة وجني المحصول يباع المحصول ويخصم الدين ويحصلون بالتالي على الأرباح، بعد ذلك يحدد موعد "الدشة"، وفي هذه الفترة تجهز السفينة بانزالها وادخالها في "النقعة" و"ركسونها" حتى يتشبع الخشب بالماء يتم اخراجها، وتبدأ عملية حشو الفراغات بالفتائل القطنية، كما تُخاط اشرعتها وتغسل وتجهز بالكامل، وفي المرحلة الأخيرة "يشونونها" و"الشونة" هي طبقة بيضاء تحت السفينة مكونة من شحوم حيوانية وجير وتسمى "الودج" و"النوره"، وهي طبقة عازلة بين الخشب والماء حتى لا يتعفن الخشب، وهنا يتجمع البحارة ليؤدوا ما يسمى بفن "السنغني" وهي رقصة تراثية قديمة، وبعدها تبدأ "الدشة" بركوب البحرية والطاقم بالكامل وآخر الراكبين هو "النوخذة"، وبمجرد وصوله يقول للبحرية  "قصر" وهي بمعنى تقصير الحبل من مقدمة السفينة، وبعد ذلك يقول "الزم" وهي تعني انزال المجاديف حتى يتسنى لهم الخروج من "النقعة"، وهنا يبدأ البحارة بـ"خطف" الشراع، و"النهام" بالغناء إيذاناً ببدء رحلة الغوص، تستمر الرحلة حتى يصلوا إلى اماكن توافر المحار "الهيرات" وهنا يقول النوخذة  "هر يا شراع" وهي بمعنى إنزال الأشرعة حتى تتوقف السفينة، وتبدأ مرحلة البحث عن اللؤلؤ.

ويذكر العصفور أنه وبعد شهر من مكوث البحارة في البحر، يبدأ "الطواويش" التهافت على السفن لشراء اللؤلؤ من النوخذة، وفي الغالب يأتي الطواويش من الكويت والبحر وقطر و"دارين"، مشيراً إلى ان عملية البيع تتم على متن السفينة، ومن الجدير ذكره وبحسب ما جاء به العصفور ان هناك احتراما متبادلا من قبل الطواويش بعضهم لبعض، ففي حال رآى احد الطواويش طواشا آخر فوق السفينة لا يقترب منها حتى ينهي مهمته وتستمر فترة الشراء ثلاثة شهور.

وبعد أربعة شهور من العمل المستمر والمضني للبحارة تحين رحلة العودة وذلك برفع الأعلام الحمراء إيذاناً بالعودة.

وعن اهالي البحارة يشير العصفور، إلى أنه بعد انقضاء مدة الرحلة تذهب النسوة لاستقبال آبائهن وازواجهن واقاربهن اضافة إلى الأطفال وكبار السن من الرجال الذين لم يتسن لهم المشاركة في الرحلة، وذلك بتجمعهم جميعاً على السيف في جو اجتماعي حميم اعتادوه في استقبال البحارة.

الألفاظ ومعانيها

شواش: بضم الشين وتشديد الواو مجموعة من الأخشاب يدفعها البحارة او بحار واحد من السفينة إلى البر

شتروه: بفتح الشين اي هدوا السفينة لبيع خشبها ويسمى هذا الخشب شتار بكسر الشين وتشديد التاء.

صل: بكسر الصاد واسكان اللام دهان يستخرج من السمك لطلاء جسم السفينة العلوي لحمايته من التشقق لونه أصفر غامق

طوف: بفتح الطاء وتشديد الواو لفظة يقولها التباب وغيره أثناء جر الخراب حبل مرساة السفينة.

طيح: بفتح الطاء وتشديد الياء اي انشروا المجاذيف للغوص.

قصر: بفتح القاف وتشديد الصاد أي خذوا حبل المرساة اسحبوه

قلط خبطة: إذا كانت الماية "التيار” قوية أو الهواء شديدا يضعون المرساة في زورق صغير ويلقونها بعيدا عن السفينة ثم يسحبون السفينة وهكذا.

قطعة: بكسر القاف لفظة تطلق على الصخور الكبيرة التي تكون في قاع البحر وتشكل خطورة كبيرة على السفن، وغالبا ما تكون القطعة بعيدة عن الساحل، وجمع القطعة اقطع بكسر الهمزة، والغواصون يندرون حول القطع الكبيرة.

لخراب: بكسر اللام واسكان الخاء لفظة تطلق على حبل المرساة "السن” الذي يمسك السفينة في الهير اثناء الغوص.

لمياراة: بكسر اللام وقت انزال السفن إلى البحر للتأهب للسفر إلى الغوص.

لحظار: بكسر اللام مجموعة صخور كبيرة تحت الماء تشكل خطورة على السفن.

لقطاعة: بكسر اللام السفر في الخليج العربي لنقل البضائع ونحوها كأنها مشتقه من التقطيع.

مجرى: بفتح الميم اي المجرى اتجاه سير السفينة ومجراته مجراة طريقة.

مرقة: بفتح الميم الكتلة ـ الطينية عليها الماء ضحلا

مطري: بكسر الميم اي يتدرب على الغوص في قاع البحر

مكسار: بكسر الميم ظلال يوضع على الساحل يستظل به البحارة

مترابعة: بكسر الميم اي جماعة يذهبون للغوص على حسابهم الخاص والكلمة مشتقة من الربع الجماعة.

ملح البلد: البلد أداة لقياس عمق البحر، ويقولون ملحه أي لا تلقه مرة أخرى في البحر للقياس.

مرسوم: سمكة مشوية يأمر النوخذة باعطائها للبحار المجد في عمله فكانها مرسوم وسام.

مشعورة: بفتح الميم قاع البحر المليئة بالاعشاب البحرية

نتر: بكسر النون وفتح التاء غادر الهير الى البندر

نالية: لفظة أجنبية تعني الخارطة البحرية لمعرفة المجرى.

نتخ: بكسر النون وفتح التاء ان تظهر السفينة تبرز لمن يشاهدها كما يقولون نتخنا المحل الفلاني اي عندما غادرنا ذلك المكان وصلنا إلى مكان آخر غيره وخاصة من ناحية البر.

دائرة محاسبة الغواصين

مجلس الشورى الثاني في عام 1938 أصدر قراراً لإنشاء دائرة مختصة لشؤون العاملين في مهنة صيد اللؤلؤ، سُميت "دائرة محاسبة الغواصين"، وتولى رئاستها الشيخ عبدالله الجابر الصباح، وأُنيطت بها مهام الفصل في الشكاوى والمطالبات والقضايا التي يتقدم به أصحاب الحقوق في مهنة الغوص، كما أصدرت هذه الدائرة دفاتر خاصة تتضمن الالتزامات والحقوق المالية ما بين "النواخذة" من طرف و"البحارة" من طرف آخر سواء كانوا "غاصة" أو "سيوب". ومن المعروف أن "البحارة" قبل دخولهم الغوص (الدشة) يتقاضون مبالغ من المال تُسمى "السلف" وبعد العودة إلى الوطن (القفال) يتم تسوية الحسابات، فإذا حصلوا على ناتج من اللؤلؤ وبيع بثمن جيد يتم توزيع ناتج المحصول وفق حصص دقيقة متعارف عليها، ويُخصَم منها المبالغ التي استلفها "البحارة"، بالإضافة إلى مأكلهم خلال رحلة الغوص. أما إذا كان محصول اللؤلؤ ضعيفاً فتكون في هذه الناحية خسارة يلتزم "البحارة" بالخدمة لسنة ثانية وثالثة لاسترداد "السلف" للنوخذة، ويسجل في "دفتر محاسبة الغواصين" حقوق والتزامات كل طرف.

رسالة محمد بن شملان

هذه الرسالة من محمد بن شملان، وكان وقتها في مدينة بومباي لبيع اللؤلؤ، إلى الوالد مرزوق بن شملان يخبره فيها عن كساد تجارة اللؤلؤ، في أول الكساد، والرسالة واضحة ومعبّرة ويذكر محمد أنه لم يتمكن من بيع "تباية" أخيه مرزوق والتبابة "بتشديد التاء" مجموعة اللؤلؤ، ولو حصل أن باعها بخسارة ربع ثمنها لكان ذلك جميلاً، لكن الخسارة كبيرة، ويذكر ان فكتور التاجر الفرنساوي لم يشترِ شيئاً وسيسافر على الباخرة إلى باريس، وسيسافر على نفس الباخرة عبدالرحمن القصيبي قاصداً مصر، والرسالة بتاريخ 13 رمضان 1348 هـ (11 فبراير 1930).

بسم الله الرحمن الرحيم

من بومباي في 13 رمضان 1348

جناب الأجل الأفخم المكرم العزيز مرزوق بن سيدي الوالد شملان المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بأبرك ساعة أخذنا كتابكم رقم 20 ورقم 23

ورقم 30 وصلوا، وأسرّنا حال سلامتكم وما ذكرتم صار معلوم، عرفتم عن التبابة ان الخسارة ولو كانت قليل تضر، أخي لو التبابة جايبة خسارة الربع كان بعتها ولكن الخسارة كبيرة سبق لكم التعرف سوم شرنيك "1" في 65 ربية ما خلينا بانيان "1" ولا روسي إلا عرضنا عليه، ولابد نرجعها عليكم، عرفت أن البدلة ما تصرفهم في 6 روبيات، حنا نعرف انها ما تصرف ولكن اليوم ما من مال يصرف اهله، وياليتك حاضر في البازار ترى ما يعملون اهل عمان في الأموال يذبونها على البانيان عبارة ذب يغير قيمته نسأل الله الكريم أن يبدل هالحال بأبرك منها، سوق اللؤلؤ ردي وفكتور مدة ما شرى شي وأسبابه نظره قاصر والناس ما هم بايعين لان على موجب اسوامه الخسارة كبيرة، وهو في ثنين وعشرين من رمضان يسافر مع القصيبي في مركب الولاية القصيبي ينزل في مصر وفكتور يروح باريس ربنا يسبب المباركة هذا ما لزم ودمتم محروسين والسلام.