القوس والفراشة

نشر في 02-05-2011
آخر تحديث 02-05-2011 | 00:00
 فوزية شويش السالم قررت أن أقرأ رواية القوس والفراشة مباشرة بعدما انتهيت من قراءة رواية طوق الحمام، وذلك لأن كلاً منهما فازت بجائزة البوكر لعام 2010 التي قسمت مناصفة بينهما، لذا أحببت أن أكتشف جودة كل واحدة على حدة.

وفي الحقيقة كل من الروايتين كانتا تستحقان الجائزة بجدارة، والغريب أن كلا من روايتي القوس والفراشة، وطوق الحمام، إلى جانب روايتي الجديدة سلالم النهار، كان لب موضوعها يتمحور حول هذه التغيرات التي حلت على البلاد العربية، بالرغم من أن الشاعر محمد الأشعري كتب روايته عن المغرب، ورجاء عالم كتبت روايتها عن مدينة مكة، وأنا كتبت روايتي الجديدة عن مدينة الكويت، ومع اختلاف الأمكنة إلا أن التوجهات كان همها واحداً، وجاءت المصادفة المحضة لتوحد ما بين همومنا واهتماماتنا بصياغات مختلفة.

فبينما انصب اهتمام رواية طوق الحمام على التغيرات التي لحقت بتاريخ وتراث مدينة مكة، نجد أن رواية القوس والفراشة كشفت عن التغيرات التي وصلت إلى المغرب العربي، ولحقت جوانب الحياة المختلفة فيه، حاله مثل حال الدول الخليجية.

الرواية كُتبت برهافة وبعمق كشف عن الواقع الاجتماعي المغاربي الجديد وعن هذه التغيرات التي بدأت تعصف به مثلما تعصف بدولنا، تغيرات حطت على التوجهات والأخلاق والنفوس، وغيرت أسس الحياة الاجتماعية والسياسية والفردية.

هذه التغيرات هي التي تناولتها الرواية من كل زاوية فيها، خاصة من ناحية تأثيرها على الإنسان المثقف المتحضر والمتأمل في أعماق أزمته الإنسانية واشتباكاتها مع هذه التيارات الجارفة لكل ما حلم وآمن به.

الرواية تبدأ بأزمة الكاتب يوسف الفرسيوي الذي يفقد حاسة الشم بعد فقده ابنه ياسين الذي مات في حادث تفجير لنفسه بعد أن تم تجنيده من قبل القاعدة، مما نتج عنه اضطرابات نفسية وصحية انعكست عليه بخيالات صحبة وهمية مع ابنه الميت، مما أدى إلى انفصاله عن زوجته لرفضه لفكرة الإنجاب مرة أخرى، فتتزوج من صديقه أحمد مجد المحامي والسجين السابق في قضية وطنية والتي تحول من بعد الإفراج عنه إلى رأسمالي مبتلع لكل أقدار التطور العمراني في المدينة.

تدور الرواية في علاقات الصداقة الدائرة ما بين يوسف الفرسيوي وحبيبته ليلى، وصديقته فاطمة، وزوجته السابقة وزوجها أحمد مجد، وصديقه المثلي إبراهيم الخياطي المتزوج أرملة صديقه المنتحر، ليربي توأميها عصام ومهدي.

وما بين هذه العلاقات المتشابكة والمرتبطة بحبال الصداقة، توجد هناك علاقة يوسف بأبيه الذي يظن أنه هو من قتل أمه الألمانية المنتحرة.

الأب الذي يأخذنا في رحلة سياحية لمدينة وليلي تبدأ من المدافن وتنتهي إليها، هذا التلاقح الخلاق بين دمارات متقاطعة.

الرواية مشغولة بنسيج حداثي مترابط بشكل حكائي مستمر ومتواصل في زمنه الروائي من دون تقطيعات أو تشظية، لكن حداثة النص آتية من خلخلة الأحداث الزمنية ومن تلك النقلات في ما بين المنالوجات العميقة، والأحلام، والحالات النفسية مع الخيالات والاستيهامات المتداخلة في ما بين الواقعي والمتخيل في تحليل رائع للأحاسيس وتقلباتها داخل ذات يوسف وأبيه، محملة بأسئلة لماهية الوجود وعبثيتها في هذا الزمن.

الرواية تحفل بتأملات حياتية لكل المتغيرات الطارئة على المغرب سواء كانت حياتية أو شخصية، دينية، سياسية، اجتماعية، حضارية وانعكاساتها على علاقة الآباء والأبناء واختلاف العادات والتقاليد بينهم.

أجمل ما في الرواية هو أجواؤها الدائرة بين طبقة المثقفين النخبويين وطريقة عيشهم وتلقيهم كل المستجدات الجديدة في مجتمعهم، لدرجة تمنيت فيها أن أكون من ضمن شلتهم.

كتابة ممتعة مبدعة تشبه أسلوب الكتابة الفرنسية وحداثتها الناتجة من خلخلة الزمن فيها.

هناك مشاهد في غاية الجمال ومنها المشهد المتفوق في رمزيته حين تعود حاسة الشم للبطل من بعد شمه تيشيرت ابنه، مما يحيلنا إلى قصة النبي يوسف وعودة البصر إلى أبيه.

كتابة كما قال عنها المؤلف: كل هذا لا يهم إطلاقا، المهم هو الكتابة، هو هذه الطريقة التي تصبح بها الكلمات والجمل أهم من الحكاية، شيئا خالصا، يمنحك إحساسا بجمال مجرد، لا مضمون له، أو هو مضمون نفسه، هل تفهم ذلك؟

إنما الرواية تسمح بتعدد الاحتمالات بما في ذلك تلك المتضمنة الوحي، أما الوحي فلا يسمح بغير روايته.

back to top