كشفت كارلوتا غال، في مقال نُشر على الصفحة الأولى من صحيفة "نيويورك تايمز"، أن القوات الأميركية والأفغانية "توقع الهزيمة بحركة (طالبان) في معظم مناطق إقليم قندهار"، وذلك بفضل "صواريخ متحرّكة جديدة بالغة الدقة". دمرت هذه الصواريخ مخابئ المتمردين، وقتلت قادتهم، ودفعت بناجين كثيرين إلى تسليم أسلحتهم، وترك مواقعهم، وفي بعض الحالات الانسحاب إلى باكستان، لكن هذا النجاح لا يقتصر على الصواريخ الدقيقة وحدها، فالأهم هو التقدم المحلوظ في جمع المعلومات الاستخباراتية، مجدداً خلال الأشهر الماضية فحسب، الذي سمح لسلاح المدفعية الأميركي بمعرفة أماكن الأشرار بالضبط وبالتالي الأهداف التي يجب أن يوجهوا أسلحتهم الضخمة إليها.
هذا السلاح المميز هو الراجمة الموجّهة (Guided Multiple-Launch Rocket System)، التي يصل مداها إلى نحو 70 كيلومتراً وزُوّدت بنظام لتحديد المواقع يوجه رأسها الشديد التفجر والذي يزن 90 كيلوغراماً ضمن مسافة متر من هدفها. تستخدم الولايات المتحدة الراجمة الموجهة وراجمة الصواريخ المتعددة (High-Mobility Artillery Rocket System)، مركبة مدولبة تزن 15 طنّاً وتحمل نظام ضبط نيران إلكترونياً يطلق الأسلحة، منذ عام 2005، لكنها لم تنشرهما بأعداد كبيرة بين وحدات سلاح المشاة التابع للجيش الأميركي سوى العام الفائت.مع ذلك، ليس للدقة والمدى أهمية من دون المعلومات الاستخباراتية، ففي فبراير الماضي مثلاً، قُتل 12 مدنياً أفغانياً حين سقط صاروخان أطلقا من راجمة موجهة على المنزل الخطأ، فقد ضرب الصاروخان الأهداف التي وُجّها إليها، لكن الاستخبارات أوردت خطأً وجود متمردين في الداخل، لذلك تغير العمل الاستخباراتي جذرياً في الأشهر الأخيرة.فضلاً عن زيادة عدد القوات وتصعيد حدة الهجمات على معاقل المتمردين (كما أفيد ههنا الأسبوع الماضي)، كثّف الجنرال بتريوس، قائد القوات الأميركية في أفغانستان، عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية إلى حد كبير (ولو أن التقارير لم تأت كثيراً على ذكر ذلك).عجّ فضاء مناطق القتال الضارية في أفغانستان بأجهزة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع مثل الطائرات من دون طيار والأبراج وحتى المناطيد المزوّدة بأجهزة استشعار.(أخبرني أحد كبار القادة بأن عدد هذه المناطيد ارتفع من ثمانية إلى 64 في الشهر الماضي فحسب).من جانب آخر، يقوم عدد من محلّلي الصور والاستخبارات بجمع هذه المعلومات كلّها وتفسيرها. والأهم من ذلك أنهم ينظّمونها إلى جانب المعلومات التي جمعها على الأرض ضباط في وحدات العمليات الخاصة، وبشكل متزايد، قوات الأمن الأفغانية التي أصبحت قادرة بشكل أفضل على حيازة ثقة المواطنين الأفغان الذين يبغضون "طالبان". وفقاً لأحد الضباط في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يحمي عناصر "طالبان" الكثير من مخابئهم ومعاقلهم عبر إحاطتها بالعبوات الناسفة. لذلك، تتمثل الطريقة الوحيدة لضرب بعض هذه الأهداف في إسقاط "قنابل ذكية" من الجو أو إطلاق صواريخ مدفعية بالغة الدقة من مسافة بعيدة. يُشار إلى أنه من غير المرجح استخدام المدفعيات القديمة الطراز، ذلك لأن المجموعات الأولى من القذائف كانت تنفجر بعيداً عن أهدافها وتودي بحياة الكثير من المدنيين، ذلك أن هذه الأهداف تقع عادةً في وسط البلدات أو المدن.لم تكن هذه الهجمات ممكنة إلا خلال الأشهر القليلة الماضية فقط حين باتت القوات الأميركية قادرة على جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها، ويبدو أن هذه الهجمات تؤتي فعاليتها. بحسب المقال الذي نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز"، يتحدث عناصر "طالبان" برهبة عن الصواريخ، لأنها في غاية الدقة وتأتي على ما يبدو من حيث لا يعلمون. بنتيجة الأمر، تخلى مقاتلون كثر عن مواقعهم، وقد خالف بعض قياديي "طالبان"، بحسب تقرير غال، أوامر قادتهم بمهاجمة قندهار والتصدي لحملة "الناتو" العنيفة. هل نحن إذن بصدد تغيير مسار الأمور، وكسب زخم، وإضعاف حركة "طالبان" إلى الحد الذي يُجبر فيه قادتها على الكف عن القتال وإجراء محادثات مصالحة مع الحكومة الدستورية في أفغانستان، كهدف نهائي للحملة العسكرية؟ لعلّنا كذلك بالمعنى التكتيكي، لأن الرئيس باراك أوباما لم يبدأ بتنفيذ استراتيجيته في أفغانستان إلا منذ الصيف. فحين قال أخيراً إن الاستراتيجية تجري وفق ما خُطط لها وأنه لا يتوقع أي تغييرات مهمة نتيجة للمراجعة الرسمية التي ستجري في ديسمبر، لعلّه كان يقصد هذا الزخم الذي تحقق في الأشهر المنصرمة.ومثلما هي الحال في العراق، يسعى بتريوس، بسرعة ودرجة أكبر مما توقع مناصروه، إلى تهيئة الظروف التي تسمح للفصائل الرئيسة (في أفغانستان) بالتوصل إلى تسوية سياسية. لكن السؤال الاستراتيجي الأهم الذي يطرح نفسه ما إذا كانت هذه الفصائل، بما فيها ولاسيما قادة الحكومة، تملك الرغبة أو الوسيلة أو المرونة العقائدية لإيجاد تسوية. لاتزال الإجابة عن هذا السؤال غامضة في العراق كما في أفغانستان، وستعتمد في كلا البلدين على التطورات والقرارات الخارجة عن سيطرة أوباما، بتريوس، أو أي دخيل آخر.* فريد كابلان | Fred Kaplan
مقالات
هل بدأ انتصارنا يتحقق؟
26-10-2010