الثورة الهائلة في عالم الاتصالات في الأعوام الأخيرة كانت نعمة لأنها سهلت طرق الوصول إلى الثقافة والمعرفة، لكنها في الوقت نفسه كانت نقمة لأنها سهلت أيضاً طرق انتشار التطرف، وهذه طبيعة التكنولوجيا حيث يمكن تسخيرها للخير أو للشر، لكن الحكيم هو فقط من يستطيع مواجهة محاولات بث الفرقة والفتنة عبر هذه الوسيلة.
ما جرى من ردات فعل تجاه ما قاله الأحمق السفيه ياسر الحبيب شاهد على كيفية تضخيم الأمور ومحاولة إذكاء الفتنة بدلا من وأدها. وبداية لسنا بحاجة إلى أن نقول إن مثل هذه الألفاظ القذرة التي تلفظ بها الحبيب مرفوضة تماماً، فهذا أمر مفروغ منه تماماً لأن مثل هذا الأسلوب الوقح ينافي تعاليم مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» فضلاً عن منافاته للذوق والأدب العام. فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» يقول: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين» والإمام جعفر الصادق «عليه السلام» يقول لشيعته: «كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسنا واحفظوا ألسنتكم وكفوا عن الفضول وقبح القول». لكن إن كان هذا المعتوه قد أشعل ناراً فإن بعض النواب والمتطرفين قد سكبوا الزيت عليه بدلاً من منع الأوكسجين عنه، فمن هو ياسر الحبيب حتى يُعطى كل هذا الحجم والمساحة الإعلامية وكأنه فقيه زمانه أو رقم صعب في الوسط الشيعي يعبر عن رأي قطاع واسع منه؟! فالحقيقة المرّة التي يجب أن نتقبلها بأن عالم الإنترنت مفتوح للسفهاء والمتطرفين، كما هو مفتوح لعامة الناس والمعتدلين، و»اليوتيوب» مليء بآلاف المقاطع لمتطرفين يبثون الشتائم والسباب للفرق الإسلامية المختلفة ورموزها، وإذا كنا سنعتد بكل مقطع من هذا الصنف ونعطي له اهتماماً وإعلاماً لا يستحقه- خصوصاً إن كان خارج الكويت- فسنعاني أزمة في كل يوم. بل إن هذا التضخيم الإعلامي الأحمق لمثل هذه الظواهر المريضة يحقق أهدافها الرامية إلى بث الفتنة الممولة من جهات مخابراتية مشبوهة سواء شعر بها هؤلاء الحمقى أو لم يشعروا، ويعطيهم مرادهم على طبق من ذهب، ويساهم في لفت الأنظار عن التحديات التي تواجه المسلمين والعرب وأبرزها محاولة بيع فلسطين عبر مفاوضات الاستسلام المشؤومة. ولعل هذا التضخيم الإعلامي الأحمق لظاهرة ياسر الحبيب هو الذي شجع متطرفين آخرين على سلك نفس السلوك من أجل الحصول على الشهرة، ولا أدل على ذلك أكثر مما فعله مبارك البذالي الذي لجأ إلى بث سمومه في مقطع جديد على «اليوتيوب» وأصبح حديث البلد بعد أن رفضت الصحف نشر تصريحه على صفحاتها، وبذلك يفوز المتطرفون ويصبحون نجوم الساحة السياسية. إذن عشق الإعلام لكل ما هو متطرف هو أكبر مؤجج للفتنة، خصوصاً مع إعطاء بعض النواب مادة لهذا الإعلام عبر ركوب هذه الموجة من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية وإطلاق تصريحات كارثية تدل على سطحية وسذاجة عميقة، فأحدهم يعتقد أن حكومتنا تدير الكرة الأرضية وباستطاعتها إرغام بريطانيا على تسليم الحبيب إلينا، وآخر لم يبق من تصريحه الأرعن سوى مطالبته صراحة بإنشاء محاكم تفتيش كالتي كانت متفشية في القرون الوسطى. والمشكلة أن نفس هؤلاء النواب الذين يدّعون الاعتدال ومحاربة الفتنة هم أنفسهم الذين وقفوا بكل قوة ضد قرار منع دخول شيخ دين تطاول على أحد أكبر المراجع الدينية في العالم وشتمه بأقذع الألفاظ! والطامة الكبرى كانت بمطالبة ما تسمى بكتلة التنمية والإصلاح بإسقاط الجنسية عن الحبيب، وهو منهج خطير ابتدعته الحكومة، وللأسف عبر إسقاط جنسيات عدد من المواطنين في الثمانينيات وقبل أعوام عدة مع سليمان بوغيث، وإذا قبلنا أن تسحب «الجناسي» من جديد تحت وطأة التهديد السياسي، فإن الأمور ستتفاقم لا محالة وسيتم المطالبة بسحب المزيد من «الجناسي» تحت مبررات أخرى من قبل الأطياف المختلفة وليس من طيف واحد كما يتوهم البعض، فعلينا أن نتقبل أننا لسنا شعب ملائكة، ففينا الطيب والخبيث، والمطلوب من الحكومة عدم الانصياع للتهديدات مهما بلغت واتباع السبل القانونية فقط من أجل وأد الفتنة بحكمة بعيداً عن كل هذا الضجيج الأحمق.
مقالات
فاز الحبيب والبذالي
16-09-2010