تتردد في أروقة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لايشتندام، إحدى ضواحي مدينة لاهاي الهولندية، همسات عن اختلاف في أسلوب العمل بين رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي والمدعي العام دانيال بلمار، الذي يتولى التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وجرائم التفجير والاغتيال، ومحاولات الاغتيال التي شهدها لبنان بين عامي 2005 و2006، والتي يمكن أن يتبين أنها مترابطة.

Ad

وعلى الرغم من أن كبار المسؤولين في المحكمة وأقسامها يؤكدون أن الاختلاف لا يعني في أي حال من الأحوال خلافاً بين الرجلين اللذين غالباً ما يشاهدهما الموظفون في جلسات مشتركة خارج العمل على نحو يوحي بعلاقات شخصية جيدة، فإن المعنيين يشيرون إلى أنه يمكن للعاملين بين الطابقين الخامس (مكاتب بلمار) والسادس (مكاتب كاسيزي) من مبنى المحكمة الخاصة بلبنان أن يلاحظوا اندفاعة كاسيزي وحماسته لبدء جلسات المحاكمة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق قبل صدور القرار الاتهامي عن المدعي العام القاضي بلمار الذي يبدو مُصرّاً على استنفاد كل مدة زمنية متاحة لتعزيز ما يمتلكه من أدلة وإثباتات.

وفي حين لا يُخفي كاسيزي رغبته في إسماع مطرقته تعلن بداية جلسات المحاكمة مطلع السنة المقبلة، يبدو عامل الوقت بالنسبة إلى بلمار ثانوياً في الحسابات التي يعتمد عليها لإصدار قراره الاتهامي.

ويؤكد عارفو الرجلين أن المسألة بينهما ليست مسألة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحديداً، ولكنها موضوع طبيعة عمل كل منهما. ويعودون بالذاكرة في هذا الإطار إلى يوم كان القاضي كاسيزي في محكمة يوغوسلافيا السابقة عند بداياتها، وقد كان المدعي العام في حينه القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون الذي تولى رئاسة لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في حرب غزة.

ويروى في هذا الإطار أن كاسيزي استدعى في بدايات عمل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة زملاءه القضاة واتفقوا رداً على محاولات تفريغ عمل المحكمة من محتواه الحقيقي نتيجة محاولات سياسية لتجنيب بعض كبار المسؤولين المساءلة، على إصدار بيان يعلنون فيه أن المطلوب هو محاكمة كبار المسؤولين عن جرائم الحرب لا محاكمة أشخاص من مسؤوليات متدنية تولوا مجرد تنفيذ الأوامر. وقد اتفق كاسيزي وفريقه على إطلاع المدعي العام غولدستون على الخطوة قبل توزيعها على الإعلام. وبالفعل حضر غولدستون الذي فوجئ بالخطوة، وطلب من كاسيزي مهلة قصيرة لدراسة الموضوع. وبعد تفكير عاد غولدستون ليبلغ كاسيزي موافقته على البيان مشترطاً لذلك أن يكون شريكاً في توقيعه إلى جانب قضاة المحكمة. وقد شكلت هذه الخطوة يومها نوعاً من الضغط على الجهات السياسية التي كانت تحاول تمييع المحاكمات، فاستعاد التحقيق اندفاعته المطلوبة وتراجعت الضغوطات السياسية بفعل بيان "التهديد" الصادر عن رئيس المحكمة والمدعي العام في آنٍ.

وخلاصة هذه الرواية في رأي العارفين بمسار العمل داخل المحكمة الخاصة بلبنان أن كاسيزي، الذي أثار كلامه أمام الصحافيين اللبنانيين في افتتاح المنتدى الدولي الثاني للإعلام الذي دعت إليه المحكمة الخاصة بلبنان وجمعية الصحافيين الأجانب في هولندا عن تمنياته بأن يصدر المدعي العام القاضي بلمار قراره الاتهامي قبل نهاية السنة الجارية وفقاً لما سبق لبلمار نفسه أن أعلنه، جدلاً حول ما إذا كان ذلك يعني صدوراً فعلياً للقرار قريباً، إنما أراد بطريقة دبلوماسية لبقة أن يستعيد مع بلمار في محكمة لبنان تجربته مع القاضي غولدستون في محكمة يوغوسلافيا السابقة لتشجيعه على الوقوف في وجه أي ضغوط يمكن أن تُمارَس عليه من جانب جهات سياسية عربية ودولية تطالبه بتأجيل قراره الاتهامي إلى مارس المقبل.