أتذكر ميتيا شخصية ديستوفسكي في الأخوة كارامازوف، أحد الذين يبحثون عن اجابات لأسئلتهم، وأنا أبحث عن اجابات لأسئلة تحاصرني كمتابع لهذا الهوس الغامض، الذي يجتاح البلاد بين الحين والآخر. ومثلي مثل الأغلبية الذين لا يجدون سوى علامات الاستفهام التي لا تنهي حيرتهم. أحد الأسئلة الكبيرة المحيرة هو لماذا هذا النشاز الذي يتردد بين كل لحظة صمت وأخرى؟ لمصلحة من يتبرع أحدهم بين لحظة وأخرى لصب الزيت الحار على جسد هذا الوطن؟ والسؤال الأهم هو: هل كنا نعيش كذبة التناغم الاجتماعي، وأن أي صبي يدعي معرفة شاذة ووعيا خارج منطق الوعي الاجتماعي والثقافي والديني باستطاعته أن يثير بلدا ويشغل أركانه وكتابه ونوابه؟

Ad

الخوف الأكبر يكمن في الاستعداد الذهني لدى العامة للعداء المتبادل تحت حجج واهية بغض النظر عن أهميتها وخطورتها. وهذا الاستعداد والتحفز نحو خلق فجوة بين شرائح اجتماعية متباينة واهتزاز قناعة الأغلبية بمفهوم المواطنة والخضوع للقانون هي احدى الوسائط التي يسلكها من يريد شرا بهذا الوطن الذي قدّر له أن يعيش معاناة تلو أخرى.

لكي أكون أكثر وضوحا سأتناول مشكلة ياسر حبيب، رغم أن ما فعله ليس جديدا وكان بعد وصوله إلى لندن مباشرة وشريط اليوتيوب متوافر في حينها لدى الأغلبية، تناول حبيب موقفا مناهضا للإرث الديني وثقافتنا الاسلامية، ولكنه لم يشعل فتنة بين الشيعة والسنة في لبنان أو العراق مثلا اشتعلت الجبهة الكويتية الداخلية. فما طرحه الحبيب لا يعني فقط سنة وشيعة الكويت بل كل السنة والشيعة. لماذا فقط الكويت كانت مهيأة للنزاع ومستعدة لدخول جدل لم يكن له ما يبرره. كان يمكن بكل بساطة رفع موضوع الحبيب الى السلطة القضائية لأنه مواطن كويتي وينتهي الأمر، ما دمنا نملك القناعة بحيادية ونزاهة القضاء. واخترت لبنان والعراق لأنهما يتمتعان بنفس الدرجة من الديمقراطية والتباين. ولأقول أيضا ماذا لو أطلق رجل من أحد البلدين تصريحات مشابهة لتصريحات الحبيب وتمس فكرنا الاسلامي وثوابتنا الدينية فهل الكويت أيضا مهيأة ومستعدة للصراع من أجل تخريفات ذلك الرجل. ألا يعني هذا أننا أسسنا عدة العداء وتهيأنا له وما نبحث عنه هو حجة سنجدها على قارعة الطريق.

الخوف الأكبر أن يحدث انفلات غير مبرر في وسط هذا الجو المشحون وينبري أحدهم للثأر من الطعن في معتقداته وثقافته من أحد أفراد الشريحة المقابلة. حينها فقط سندرك أننا تعاملنا مع الحدث بشكل غير حضاري أبدا منذ البداية. أتذكر هنا حالة مشابهة حصلت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في وسط الصخب والصدمة التي اجتاحت أميركا الشمالية "الولايات المتحدة وكندا" وكان الغضب الشعبي في أوجه ضد كل ما هو مسلم حتى أن أحد الجمهور الهائج قتل رجلا من السيخ معتقدا أنه مسلم في مدينة مونتريال.

أذكركم فقط بأن حالة ياسر حبيب ليست هي الفتيل الوحيد المشتعل فهناك أكثر من ياسر حبيب لا نعلم يعملون لمصلحة من، ولكنهم يدركون جيدا استعدادنا لتبني الخلاف وتحويله بسرعة الى عداء، يشترك في ذلك جميع شرائح المجتمع الطائفية والاجتماعية. الحل الوحيد لنكون مجتمعا حضاريا هو أن نكرس ثقافة القانون وحين يتحدث القانون فليصمت الجميع!