يبدو أن دم منطقة الأحمدي سوف يتوزع على العديد من الجهات والمؤسسات والهيئات الحكومية حتى لا يكون هناك متهم رئيسي يتحمل مسؤولية حجم الدمار والمخاطر التي تسببت فيها تسريبات الغاز تحت البيوت الآمنة ولربما المنشآت النفطية نفسها، وليس أدل على ذلك سوى لجنة التحقيق التي أعلنت عنها شركة نفط الكويت لتعقب أسباب هذه المشكلة وبأثر رجعي يعود إلى عصر ظهور النفط في عقد الخمسينيات من القرن الماضي!

Ad

وكعادة لجان التحقيق في الكويت التي تسجل أرقاماً قياسية على مستوى العالم، فمن المرجح أن هذه القضية سوف تقيد ضد مجهول، والمستفيد الوحيد على ظهر العوائل المتضررة من تسرب الغاز هو من يظفر بمبالغ بدل الإيجار التي سوف تدفع لإيواء الضحايا من سكان الأحمدي، ثم الشركات التي سوف تكلف بتنظيف المنطقة، وأخيراً الهامور الذي يلتهم عقود إعادة أنابيب الغاز وفق معايير الأمن والسلامة، وكذلك البيئة كما هي موضة هذه الأيام.

وكالعادة أيضاً سوف ترتفع الأصوات المطالبة بتثمين البيوت المتضررة أو بمسح المناطق السكنية في هذه المحافظة لإعادة بنائها، وكل ذلك طبعاً على حساب الأموال العامة أيضاً.

إن مشكلة الأحمدي لا تكمن في قضايا مثل التسرب في أنابيب الغاز أو تهالك البنية التحتية للمرافق النفطية أو التفكير في إيجاد بدائل سكنية اليوم ولا في أنه بعد مرور أكثر من نصف قرن على تحولنا إلى بلد نفطي، غيرت الثروة الطبيعية ملامح وجودها وحضارتها وثقافتها، فهذه مجرد نتائج طبيعية- رغم خطورتها ومرارتها- للعقلية الحكومية الممتدة على مدى عقود من الزمن في ظل كل ما قد يتخيله إنسان من تفشي الفساد والواسطة وتسلط أصحاب النفوذ والمصالح على جهاز اتخاذ القرار ناهيك عن فقدان الأهلية اللازمة لإدارة شؤون البلد، خصوصاً المرفق النفطي الذي تم شفط خيراته دونما اكتراث حتى بالمحافظة على بقائه واستمراره كمصدر رزق وحيد نحتاجه بشكل قاتل.

والأسئلة التي يجب أن تتمحور حولها لجنة التحقيق، إذا ما كانت هناك لجنة جادة ومؤتمنة هي: أين كانت الإدارات العليا لشركة "نفط الكويت" والجهاز الفني والهندسي التابع لها على مدى سنوات طويلة من وجود هذه المشكلة؟ وهل تم التحذير منها أساساً أو حتى مجرد التفكير في وجودها؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الجهات التي أهملت تلك التحذيرات وتقاعست عن القيام بدورها؟ وهل يمكن محاسبة المقصرين بأثر رجعي؟

وأكاد أجزم بأن هناك الكثير من الأصوات الصغيرة التي حذرت ونبهت من وجود واستمرار مثل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل الرئيسة في القطاع النفطي عبر سنوات طويلة، وأتوقع أنها لاقت الأمرّين على مدى الحياة الوظيفية لأصحابها، وبدلاً من الاستماع إليها فقد تعرضت للكثير من الظلم والتعسف حتى في التدرج الوظيفي والترقية وربما انتفخت ملفاتهم بالتنبيهات والإنذارات والإحالة إلى التحقيق والتأديب!

ولهذا وبعد "وقوع الفأس بالرأس"، فإن قيمة الثروة النفطية والمحصلة الوحيدة التي يمكن أن نجنيها من هذه الكارثة هي فقط رد اعتبار الرجال المخلصين في هذا القطاع وتعريفهم إلى الرأي العام وتخليدهم في ذاكرة التاريخ، فليس هناك من سوف يتم محاكمته أو محاسبته من المسؤولين أو رؤساء مجالس الإدارات ونوابهم خصوصاً من دقت لهم طبول المجد والافتخار لكفاءاتهم كعباقرة هذا القرن عندما كانت مراسيم تعيينهم تنشر في الجريدة الرسمية!

وأخيراً، نعم لقد ولى عهد الاستعمار خصوصاً البريطاني الذي صنع من محافظة الأحمدي درة جميلة وغنية ومتكاملة وخضراء ليحولها بعض أبناء بلدنا إلى صحراء قاحلة من جديد، يطرد سكانها وتصرف على علاجها الأموال الطائلة للوقاية من شر أخطارها، وتتحول من نعمة إلى نقمة تحمل معها الأمراض البيئية، وقد تفجر الأرض ومن عليها، فالأحمدي بذلك هي ضحية لـ"بيت العز" الكويتي!