مساجد الشيعة...
وكنيسة الكاثوليك!

نشر في 09-11-2010
آخر تحديث 09-11-2010 | 00:01
 د. ساجد العبدلي إن مجتمعا لا يزال عاجزاً عن الانسجام بين مكوناته النسيجية، سيعجز من باب أولى عن تقبل الآخر والتسامح معه، وقبول حريته في اعتناق دين مختلف وممارسة شعائره، ناهيك عن مساعدته في ذلك! قد لا تدركون للوهلة الأولى الرابط بين مساجد الشيعة وكنيسة الكاثوليك، ولكني سأقول إن الرابط هنا يتمثل في أن رؤية تلك الضجة المثارة حول بناء كنيسة للكاثوليك ليست أمراً مفاجئاً أو مستغرباً لمن يخبر ويعرف تلك النزاعات والضجة التي تتجدد في كل مرة يدور فيها حديث عن بناء مسجد للشيعة في منطقة ما، فمجتمع لايزال عاجزاً عن الانسجام بين مكوناته النسيجية، سيعجز من باب أولى عن تقبل الآخر والتسامح معه، وقبول حريته في اعتناق دين مختلف وممارسة شعائره، ناهيك عن مساعدته في ذلك!

الشيخ محمد الصباح، وزير الخارجية، صرح بأن عدم موافقة المجلس البلدي على إقامة الكنيسة راجع لأسباب فنية إدارية، وبأنه لا شأن للأمر بمسألة احترام الأديان، وأنا أرجو ذلك حقاً، وأتمنى ألا يكون ما قاله مجرد تصريح دبلوماسي من وزير الدبلوماسية الخارجية، جاء به ليتقي الحرج الدولي الذي قد ينتج عن مثل هذه الممارسة غير الإنسانية وغير المتسامحة مع الآخر، والتي تجيء في ذات الوقت الذي تثور فيه ثائرتنا نحن المسلمين عندما يمس لنا طرف في أميركا وأوروبا وعموم تلك البلاد التي يحلو لبعضنا أن يسميها كافرة.

تذكرون مثلا، كيف أقمنا الدنيا حين قررت سويسرا عدم السماح بالمساجد القائمة فيها أن تنصب المآذن، فاعتبرنا ذلك تعدياً على الدين واتهمناها بخيانة التسامح الذي تدّعيه، وتعرفون كذلك مواقفنا من الدول التي تعرضت للمنقبات والمحجبات، ونأتي الآن بكل بلادة لنرفض السماح بإقامة كنيسة ستخدم الآلاف المؤلفة من البشر الذين قدموا من مشارق الدنيا ومغاربها للعمل في بلادنا وخدمتنا، في وظائف نستنكف عن العمل في كثير منها، ونجهل، أو حتى نعجز عن أداء بعضها. أليس هذا تناقضاً مريعاً؟!

كيف نريد لتلك الدول وتلك الشعوب أن تحترم ديننا وحقوق جالياتنا الموجودة فيها لممارسة شعائرها الدينية، ونرفض في المقابل أن نسمح لأبنائهم بذلك في بلادنا؟ إن هذا لنفاق كبير وتدين مزيف لو تجرأ أحد ونسبه إلى الدين. ولا أتردد لحظة في القطع بأن الإسلام بريء كل البراءة من مثل هذه الممارسات الإلغائية التي لا تحترم كرامات الناس وحقوقهم الدينية، لأن شرعنا يدرك أن ديناً لا يحترم حقوق الآخرين لن يحترمه أحد، والإسلام أبعد ما يكون عن هذا، فهو الذي أقر بأن «لا إكراه في الدين»، وأن «لكم دينكم ولي دين»، وأن «ليس عليك هداهم»، فأعطى بذلك مطلق الحرية للآخر لأن يعتنق ما يشاء ووكل أمره إلى الله.

إن الدولة المسلمة الحقة هي دولة مدنية باقتدار، وكل التطبيقات التي أخرجتها من مدنيتها النموذجية ليست من الإسلام في شيء، بل هي محض اجتهادات بشرية حادت عن الحق، والدولة المدنية، مسلمة كانت أو غير ذلك، ترعى حقوق رعاياها وتكفل لهم كامل الحق بممارسة شعائرهم الدينية، في إطار نظامها العام، لأن الدولة الحقيقية الراسخة تقوم على «مواطنة» أفرادها وقيامهم بمستحقات هذه المواطنة، لا على «دياناتهم»، حتى إن كان دين هذه الدولة التي تظلّهم هو الإسلام، ونظامها القانوني يقوم على الشريعة.

سأكرر مجدداً بأني آمل أن يكون سبب منع إقامة الكنيسة هو سبب فني إداري كما قال الشيخ محمد الصباح، ومن فم وزير الخارجية سأدين الحكومة، ولا أحد سواها، فمسؤولية معالجة هذا العائق الفني الإداري المزعوم في يدها هي لا في يد أي طرف عداها.

back to top