ما حصل في وزارتك يا وزير الداخلية عار كبير، أنت من قال بنفسه بأنه لا يشرف به، ودماء المقتول ستظل تلطخ يديك أنت شخصياً، ما لم تتخذ الإجراءات الحاسمة والرادعة لمعاقبة كل المسؤولين عن هذه الجريمة الفاحشة، وبالأخص في حق أولئك الذين ضللوك وخدعوك وزيّفوا التقارير والمعلومات التي وصلتك.

Ad

مع تتابع حلقات فضيحة وزارة الداخلية، على خلفية قتل المواطن محمد المطيري على يد بعض من رجال المباحث، اتضح أن البعض من النواب والكتّاب، بل المثقفين ويا للعجب، يخلطون خلطاً فاضحاً بين مصطلحي أو مفهومي المساءلة والمسؤولية، وذلك جهلاً من بعضهم وتقصداً من البعض الآخر، وهو خلط قد نقبله من عموم الناس، ولكن من غير الممكن، بل المعيب، قبوله من أمثال هؤلاء وهم من يتصدون لمناقشة الشأن العام ويدلون بدلائهم فيه ليل نهار!

ومفهوما المساءلة والمسؤولية، لمن لا يدرك معنييهما، ليسا مفهومين جديدين في الحقيقة بل هما قديمان جداً، ولهما من الشواهد الكثير، من أبرز ما يحضرني منها في هذه اللحظة هي تلك المقولة الشهيرة للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يوم قال: «والله لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله عليها لماذا لم تمهد لها الطريق ياعمر».

عمر كان هو خليفة المسلمين جميعا، قائدهم العام، رأس الهرم ورأس السلطة، ومع ذلك كان يدرك يقيناً أنه في موقع المساءلة حتى عن بغلة قد تتعثر في العراق، وهذا هو معنى المساءلة.

نعم، عمر ليس مسؤولا عن أن يذهب بنفسه ويمهّد الطرق في العراق، ولكنه هو المسؤول عن تعيين المسؤولين عن ذلك ومراقبتهم ومحاسبتهم، وعند فشلهم في القيام بواجبهم أو عند إساءتهم التصرف، سيكون هو المُساءل!

لهذا، فعندما تحصل جريمة كتلك الجريمة الكبرى والفضيحة المدوية التي حصلت في وزارة الداخلية، فنحن ندرك بلا شك أن الوزير ليس هو من قام بالتعذيب ولا من أمر بذلك، لذلك فمن السخف والجهل المركب أن يحاول أحد أن يدافع عن الوزير عبر هذه الحجة، ولكننا في المقابل لسنا من الضحالة أن نقول إذن هو ليس في موقع المساءلة!

إن الصورة واضحة جداً في أذهاننا، فكل تراتبية المسؤولين في قطاع المباحث، ابتداءً بمن قاموا بهذا الفعل المريض ممن يتحملون المسؤولية الجنائية المباشرة، صعوداً إلى رؤسائهم واحداً تلو الآخر ممن تتوزع عليهم المسؤولية وفق الصلاحيات التي كانت ممنوحة لهم، مسؤولون جميعاً، حتى تنتهي عند وزير الداخلية الذي هو المساءل الأكبر سياسياً عن كل ما يجري في وزارته، وكلما عظم الخلل وكبر، زاد استحقاقه للمساءلة السياسية، ولا أظن أن يجرؤ أحد على أن يختلف معنا في فداحة ما جرى!

يا وزير الداخلية:

إن من الشجاعة السياسية والشهامة، أن تصر على إمضاء استقالتك من بعد قيامك بواجبك في حق هذه الجريمة، فما حصل في وزارتك عار كبير، أنت من قال بنفسه بأنه لا يشرف به، ودماء المقتول ستظل تلطخ يديك أنت شخصياً، ما لم تتخذ الإجراءات الحاسمة والرادعة لمعاقبة كل المسؤولين عن هذه الجريمة الفاحشة، وبالأخص في حق أولئك الذين ضللوك وخدعوك وزيّفوا التقارير والمعلومات التي وصلتك.

كما أن حق القتيل المغدور لن يتلاشى بمجرد معاقبة المجرمين والمسؤولين، فسمعته التي تم تلطيخها وتشويهها زوراً وبهتاناً، حتى بلغ الضرر أهله وذويه، لا يجبرها سوى إعلان واعتذار وتعويض مادي ومعنوي مجزٍ وواضح لأسرته، على أن يكون الأمر منك أنت شخصياً يا معالي الوزير، فهذه هي الشجاعة الحقيقية والشهامة الصادقة، وهذا هو أقل ما يمكن القبول به!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة