كنت أنوي الكتابة هذا الأسبوع عن التجربة القطرية والدروس المستفادة منها، لكن يبدو أن عشاق المشاكل لم يريدوا لنا أن نتفاءل بتجارب جيراننا فأشغلونا مرة أخرى بمشكلة جديدة تستحق الوقوف عندها لنبين مدى التناقض في المواقف إضافة إلى محاولة البعض خلق بطولات وهمية.
حادثة الاعتداء على محمد الجويهل دليل على أن قسماً لا بأس به من جمهور ما يسمى بتجمع «إلا الدستور» ليسوا مهتمين لا بالدستور ولا بالقانون، بل أتوا استجابة للفزعة القبلية متسلحين بثقافة العنف، وأخذ الحق المزعوم باليد لا بالقانون، فكيف لمدعي حماية الدستور والقانون أن يتجاوزوا على القانون باستخدام العنف ضد من مارس حقاً من حقوقه الدستورية ألا وهي حرية التعبير حتى لو لم تعجبنا طريقة ممارسته لهذه الحرية. فمن تضرر أو شعر بالإهانة من هذا الشخص فما عليه إلا أخذ حقه بالقانون عن طريق القضاء لو كان فعلا يحترم الدستور، أما استخدام العنف تحت أي مبرر فهو دليل على عدم احترام الدستور والقانون، فضلا عن كونه دليلا على غياب الرجولة بتجمع العشرات على شخص واحد. والأدهى والأمر هو استمرار الندوة وكأن شيئاً لم يكن مع أنه كان من المفترض أن توقف الندوة حتى يرسل النواب المنظمون رسالة شديدة إلى جمهورهم بأن سلوك طريق العنف أمر مرفوض تماما، لكن بدلا من ذلك سمعنا بعضهم يبرر استخدام العنف كنتيجة طبيعية للاستفزاز الذي قام به المعتدى عليه، متناسين تماما حادثة حصلت في أثناء انتخابات 2006، وذكرني بها أحد الأصدقاء عندما اعتدى بعض أنصار مرشح متهم بشراء الأصوات على أحد الشباب الناشطين سياسيا، والذي أراد التحدث في ندوة ذلك المرشح. حينها لم ير بعض نواب «إلا الدستور» ذلك استفزازاً، بل أدانوا حادثة الاعتداء باعتبارها عدم احترام لحرية التعبير. قضية رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم كسابقاتها من القضايا يتم استخدامها كقضية حق وباطل، وكقضية وطني ومنبطح، مع أن القضية خلافية، وكلا الطرفين لديهما أدلة وحجج تدعم مواقفهما. فبعض معارضي رفع الحصانة يرون القضية محاولة للنيل من النائب نتيجة لما قاله في المجلس، وبعضهم يرفضون جعل قرار رفض الحصانة بيد الحكومة عبر الحضور الرمزي في الجلسات، وبعض مؤيدي رفع الحصانة لا يرون هذه القضية تعارض المادتين 108 و110 من الدستور على اعتبار أن القضية المرفوعة من البنك تتهم النائب بتحريض موظف البنك على تسريب الشيك، وهو اتهام لا علاقة له بما قام به النائب المسلم في الجلسة، وهو رأي يدعمه الخبير الدستوري عبدالفتاح حسن. إذن نقول مرة أخرى إن القضية خلافية وفيها مجال الاجتهادات واسع، ولا يجوز تصنيف النواب بسذاجة وسطحية إلى حماة للدستور ومتواطئين عليه بحسب موقفهم من هذا القضية، خصوصاً أن 8 نواب من تجمع «إلا الدستور» ما هم إلا خريجو انتخابات فرعية مجرمة قانونا. نعم قد تكون الحكومة غير موفقة في استخدام حضورها الرمزي للجلسات في محاولة لتعطيلها وتمرير قرار رفع الحصانة، لكن هذه أداة من أدوات اللعب السياسي شئنا ذلك أم أبينا، بل قد استعملها بعض نواب «إلا الدستور» من قبل لتعطيل جلسات عديدة منها جلسة البدون كما قال النائب الدويسان. فكل نائب يريد إقامة الجلسات أو تعطيلها حسب المصلحة التي يراها، ومثال آخر لذلك هو تأخر النائب الطبطبائي عن حضور جلسة اختيار رئيس ومقرر لجنة حقوق الإنسان لأنه كان ينتظر حضور النائب محمد هايف أيضا حتى يضمن الرئاسة، ولو كان الحضور مقتصرا فقط على النائبين عبدالصمد والدويسان لما حضر الطبطبائي الاجتماع حتى لا ينعقد النصاب ويحظى الدويسان بالرئاسة. إذن كفى صراخا وعويلا ومحاولة اختلاق بطولات وهمية فضحت تناقض الكثير منكم، وكفى شحنا للجمهور حتى لا نصل إلى نقطة اللاعودة بانفلات زمام الأمور والدخول في المجهول.
مقالات
اين المرجلة يا حماة الدستور؟
09-12-2010