تنص قوانين الفيزياء على أن الموجة لها ثلاث مراحل: قمة وقاع وتحول بين النقطتين، وفي الكويت موجتنا السياسية متجهة إلى القاع واستنزفت نزولا كل ما جنته من مكاسب، إلا أن الأمر المفرح أنها سترتد إلى القمة مرة أخرى متى ما لمست أقصى القاع.

Ad

أمس كان يفترض أن يصعد رئيس الحكومة منصة الاستجواب، ليواجه استجوابه الثامن خلال أربعة أعوام، أقول (كان يفترض) لأن هذا المقال كتب ظهيرة يوم الاثنين، وبعد تأكيد الرئيس لـ»الجريدة» أنه سيواجه الاستجواب وسيصعد المنصة، وصعود الرئيس المنصة وسرية الجلسة لا يعنياني هنا، فما يهم هو الأحداث التي ستشهدها الساحة حتى يوم الأربعاء المقبل الذي يفترض تحديده كموعد للتصويت على طلب «عدم التعاون» في حال قُدّم أمس كما صرح فريق المستجوبين، وكما يشير منطق تراتبية الأحداث.

الحكومة وضعت نفسها بموقف لا تحسد عليه بعد أن قررت مواجهة المعارضة من خلال اختراق البرلمان، وقسمت النواب إلى معسكرين، معها وضدها، وقررت معاداة المعارضة بتقليص حضورها لجلسة مناقشة رفع حصانة النائب فيصل المسلم وسعت إلى إفشال اكتمال النصاب، ردا لصاع استجواب الرئيس العام الماضي من قبل النائب، وهنا مربط الفرس، وعليها اليوم أن تتحمل ما جنته على نفسها، لأنها من حيث لا تعلم اعتمدت على مجاميع تشكل لها اليوم أرضية صلبة تمرر من خلالها ما تريد، لكنهم بالواقع رمال متحركة لن تتردد عن ابتلاعها متى ما شعرت بخطورة وضعها.

وبعد كل هذا نص في بيان مجلس الوزراء «وقد عبر المجلس عن حرص الحكومة الكامل على الرد على هذا الاستجواب وتفنيده بالأدلة والحقائق، مؤكدا الثقة التامة بأن أعضاء مجلس الأمة ممثلي الأمة سيقفون بكل حزم وإنصاف أمام هذه الاستجوابات التي تخالف أحكام الدستور وتضر إضراراً شديداً بالمصلحة العامة، مؤكدا سعيها لتجسيد التعاون البناء»، تأملوا هذه الفقرة جيدا، لأنها ستكون مفصل العلاقة بين الحكومة والمجلس، لأنها تعني أن النواب سيتعاونون مع الحكومة وسيقفون بوجه الاستجوابات، وعليه لن تعود الحكومة لاحقا لتتهم النواب بأنهم وراء التصعيد وتعطيل مشاريعها بالاستجوابات والملاحقات البرلمانية، لأنها اليوم ترتكز على الأغلبية النيابية التي ستقف بكل حزم أمام الاستجوابات.

على مدى أربع سنوات رأينا تشكل جبهات ومراكز قوى ومرجعيات، وفريقا تخندق خلف الرئيس، وعلى سفينته صعدت وسائل إعلام ونواب ومزايدون، ومثلهم بسفينة الفريق المقابل، وبينهم وقفت الكويت مذهولة مما يجري، وقوى أمن تعتدي بالضرب على نواب ينتهكون القانون لكنهم لا يجدون غضاضة بالدفاع عن الدستور، وفتاوى سياسية ترتدي ثوب الدين، وخلطا بين اللازم والمتوقع، وارتفعت شعارات «إلا الدستور» و»إلا الرئيس» و»الطاعة أو المطاعة»، كما أصبح ولاء القبائل وأبنائها وسط هذه الفوضى محل شك رغم أنهم جزء من نسيج هذا الوطن، وهو بالمناسبة ما تعرض له الشيعة يوما ما بعد حادثة التأبين.

هل سأل أحدنا نفسه يوما ما خلال هذه الأزمة الأخيرة: ما دخل القبائل أو الشيعة أو الحضر كفئات اجتماعية بما يجري داخل البرلمان من مماحكات سياسية؟ وما دخل مبدأ طاعة ولي الأمر باستجواب رئيس مجلس الوزراء؟ وأين المسؤولية الأخلاقية من ضرورة عرض الرأي والرأي الآخر بوسائل الإعلام المعارضة والموالية للحكومة؟ والأخطر من كل هذا: ما تداعيات ترسب الاستجواب في النفوس لدى الفريقين ومن تخندق خلفهم؟

على الهامش:

كيف سيكون 2011 بعد أن رُفع في العام الجاري شعار «إلا الدستور» وأهدرت كرامات الناس وتمت ملاحقة عدد من الناشطين السياسيين قضائيا، وحلت مقولة «الطاعة أو المطاعة» محل «دولة القانون»، ولاحق نواب التشدد ملابس السباحة وعمليات التجميل، وفقدنا خلاله أحمد البغدادي وأحمد السقاف ومحمد مساعد الصالح وغانم الصالح ووائل الصقر؟!