لم يكن مفاجئاً ما أعلنه الزعيم الكردي مسعود البرزاني، في حفل افتتاح مؤتمر حزبه الذي حضره كبار المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي، وقال فيه إن من حق إقليم كردستان أن يقرر مصيره طالما أن العراق ذاهب إلى مستقبل ينسجم مع هذه الحالة التي بقيت مطلباً للأكراد خلال كل المؤتمرات التي عقدها حزبهم أي الحزب الديمقراطي الكردستاني على مدى سنوات طويلة.

Ad

وبالطبع فإن البرزاني قد اتكأ في هذا على نص المادة "140" في الدستور العراقي الذي يعطي أيَّ جزء من العراق له طبيعة خاصة حق تقرير مصيره بنفسه كما أنه استند إلى هذا الدستور نفسه، الذي وُضع في فترة حكم المندوب السامي الأميركي برايمر، في المطالبة بأن تكون منطقة كركوك الغنية بالنفط جزءاً من الإقليم الكردستاني سواء بقي تابعاً للدولة العراقية الأم أم انفصل وأصبح دولة مستقلة.

وبعيداً عما إذا كان هذا الذي أعلنه مسعود البرزاني مجرد تذكير بحقيقة بقيت تتردد ويجري تأكيدها في كل مؤتمرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس في بدايات ستينيات القرن الماضي أم أنه بداية خطوة ستسبقها خطوات أخرى، وهي فترة قريبة إلى أن يُعلَن رسمياً أن هذا الإقليم دولة مستقلة لا علاقة لها بالعراق إلا تلاؤماً مع ما تفرضه التدخلات الجغرافية والديموغرافية المتعددة وما يتلاءم مع ماضٍ طويل له استحقاقاته التي لابد من أخذها بعين الاعتبار.

وحقيقة أن هذه النتيجة التي يبدو أن التوصل إليها غدا مسألة وقت فقط هي ذاتها التي انتهى إليها واقع الجنوب السوداني، والمشكلة هنا وهناك هو ذلك الضم التعسُّفي الذي تم قبل عقود بعيدة لا بإرادة العراقيين ولا بإرادة السودانيين وإنما بإرادة المستعمرين البريطانيين والذي بقي كجرح نازف في الخاصرة السودانية وفي الخاصرة العراقية إلى أن طرأت مستجدات إضعاف هذه الدولة وتلك، وحانت لحظة أن من حق هذا الشعب وذاك أن يقرر مصيره بنفسه، وأن يقيم دولته المستقلة مثله مثل كل شعوب المنطقة والكرة الأرضية.

والآن وبينما قد حانت لحظة الحقيقة، فإن ما يجب قوله هو أنه إذا كان ضم شعب رغم إرادته إلى تكوين وكيان لا يمثل لا تطلعاته السياسية ولا تطلعاته الثقافية قد كان خطأً فادحاً، فإن ما تعرض له هذا الشعب من قهر وقمع ومصادرة لحقه في التعبير عن نزعته القومية قد شكل خطيئة لا تغتفر، ويقيناً لو أنه لم يتعرض الشعب الكردي في شمالي العراق لِما تعرض له ولما يتعرض له الأكراد الآن في الدول المجاورة إيران وتركيا لَما لجأ إلى السعي إلى نيل استقلاله من خلال الثورات المتلاحقة ولَما احتكم إلى السلاح،  لينفصل عن دولة من المفترض أنها دولته التي يجد في الانتماء إليها الأمن والاستقرار والحصول على حقوقه كاملة السياسية منها والثقافية.