مجموعة الـ 26 والكيل بمكيالين
الهدر هو الهدر، والاستنزاف هو الاستنزاف، والسرقة هي السرقة، والتعدي على المال العام يظل تعديا على المال العام، وإن تعددت أشكاله وتنوعت أساليبه واختلفت أسماء مرتكبيه، لهذا فإنه يتعين على من يتصدى لقضية عامة مثل قضية وقف استنزاف المال العام، وتبديد ثروة البلاد، و«تفليس» الدولة، ووقف السرقات والتعديات على المال العام أن يتحدث عن كل أشكال هذه القضية، وألا يختزل الحديث على شكل واحد فقط، ويغض الطرف عن الأشكال الأخرى وإلا اعتبر ذلك انتقائية مخلة، أو كيلا بمكيالين، وتحيزاً لطرف ضد طرف آخر.من هنا فإن الحديث المتكرر لما يسمى إعلاميا «مجموعة الـ26» عن شكل واحد فقط من أشكال هدر المال العام وتبديده، وهو إقرار الحكومة للكوادر غير المستحقة، والمطالبات بإسقاط الفواتير، وفوائد القروض عن كل المقترضين، وهو الشيء الذي لا يمثل إلا جزءا بسيطا جدا من سياسة هدر المال العام واستنزافه، وغض هذه المجموعة النظر عن الأشكال الأخرى لاستنزاف الأموال العامة، وعن السرقات الكبرى التي تطول المال العام، والتي لا تقل فداحة وضررا على المال العام من أي شكل آخر من أشكال تبديد الثروة الوطنية، يعتبر حديثا قاصرا إن لم نقل إنه حديث متحيز أو انتقائي يكيل بمكيالين، وهو الأمر الذي سيؤثر في مصداقيتهم أمام الرأي العام، لاسيما أن المجموعة تدعي أنها تدعو إلى التصدي لعملية استنزاف ثروة البلاد وترشيد استخدامها.
الناس تتساءل، وهي محقة، عن موقف «مجموعة الـ26» من الكثير من عمليات تبديد الثروة الوطنية واستنزافها علنا، والتي تتداولها المنتديات الإلكترونية ووسائل الإعلام، والتي منها، مثالا لا حصرا، التعديات الجائرة والمستمرة على أراضي الدولة وأملاكها التي تستنزف المال العام وتحمله الكثير من الخسائر، وآخرها مشروع «البرج الاستثماري» في منطقة «شرق»، أو عملية الرسوم الزهيدة جدا التي تتقاضاها الدولة نظير تأجير أراضيها للأفراد والمنشآت الخاصة، والأسعار شبه المجانية التي لا تكاد تذكر لخدماتها مثل الكهرباء والماء، والتي مازالت تمنح لهم منذ عقود طويلة جدا، أو عملية الصفقات والمناقصات الضخمة التي تحوم حولها الشبهات، وتشير إليها عادة تقارير ديوان المحاسبة مثل صفقة طوارئ 2007، أو صفقة طائرات الشحن الجوي، أو إستاد جابر، أو محطة مشرف، أو مشروع المصفاة الرابعة. كما أن الناس تتساءل بحق عن رأي «مجموعة الـ26» فيما يثار حاليا من علامات استفهام حول العقد الاستشاري لشركة «شل» الذي يقال إنه سيكلف 800 مليون دولار، وعن رأيها في تكلفة عقد استشارات السيد «بلير» أو في كيفية صرف ميزانية إطار «خطة التنمية» البالغة 37 مليار دينار، وما إذا كانت تستخدم بشكل رشيد، أو في طريقة التصرف الحكومي في الفائض السنوي للميزانية العامة الذي يبلغ عادة مليارات الدنانير، أو رأيها في قضايا فساد الأغذية واللحوم والألبان وما يترتب عليها من سرقات مالية وغيرها الكثير الكثير، إذ إن استنزاف المال العام غير مقصور فقط على بنود الباب الأول من الميزانية العامة للدولة، فهل نسمع رأي «مجموعة الـ26» في ذلك كله حتى لا يقال إنها تكيل بمكيالين؟ كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة